الفصل التاسع [1]
قال الرافضي [2] : وعن عمرو بن ميمون قال : لعلي بن أبي [ ص: 31 ] طالب [3] عشر [4] فضائل ليست لغيره . قال له [5] النبي - صلى الله عليه وسلم : لأبعثن رجلا لا يخزيه الله أبدا ، يحب الله ورسوله ، [ ويحبه الله ورسوله ] [6] ، فاستشرف إليها [7] من استشرف . قال [8] : أين علي بن أبي طالب [9] ؟ قالوا : هو أرمد [10] في الرحى يطحن . قال [11] : وما كان أحدهم يطحن .
قال : فجاء وهو أرمد لا يكاد أن يبصر . قال : فنفث [12] في عينيه ثم هز الراية ثلاثا وأعطاها إياه [13] ، فجاء بصفية بنت حيي . قال : ثم بعث أبا بكر بسورة التوبة [14] ، فبعث عليا خلفه [15] فأخذها منه وقال : لا يذهب بها إلا رجل هو مني وأنا منه .
[ ص: 32 ] وقال لبني عمه [16] : أيكم يواليني في الدنيا والآخرة ؟ قال : وعلي معهم جالس [17] فأبوا ، فقال علي [18] : أنا أواليك في الدنيا والآخرة . قال [19] : فتركه ، ثم أقبل على رجل رجل منهم [20] ، فقال : أيكم يواليني في الدنيا والآخرة ؟ فأبوا ، فقال علي : أنا أواليك في الدنيا والآخرة . فقال : أنت وليي في الدنيا والآخرة .
قال : وكان علي أول من أسلم من الناس بعد خديجة . قال : وأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [21] ثوبه فوضعه على علي وفاطمة والحسن والحسين ، فقال : إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا [ سورة الأحزاب : 33 ] .
قال : وشرى علي نفسه ولبس ثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم نام مكانه ، وكان [22] المشركون يرمونه بالحجارة .
وخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - [23] بالناس في غزاة تبوك ، فقال له علي [24] : أخرج معك ؟ قال [25] : لا . فبكى علي ، فقال له : [ ص: 33 ] أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ؟ إلا أنك لست بنبي ، لا [26] ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي [27] .
وقال [28] له رسول الله - صلى الله عليه وسلم : أنت وليي في كل مؤمن بعدي .
قال : وسد [29] أبواب المسجد إلا باب علي [30] . قال وكان يدخل المسجد [31] جنبا ، وهو طريقه ليس له طريق غيره .
وقال له : من كنت مولاه فعلي مولاه [32] .
وعن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرفوعا أنه بعث أبا بكر في ( براءة ) إلى مكة [33] ، فسار بها [34] ثلاثا ثم قال لعلي : الحقه فرده وبلغها أنت ، ففعل [35] . فلما [36] قدم أبو بكر على النبي - صلى الله عليه وسلم - بكى وقال : يا رسول الله ، حدث [37] في شيء ؟ قال : لا ، ولكن أمرت [38] أن لا يبلغها [39] إلا أنا أو رجل مني .
[ ص: 34 ] والجواب : أن هذا [40] ليس مسندا ، بل هو [41] مرسل لو ثبت عن عمرو بن ميمون ، وفيه ألفاظ هي كذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كقوله : [ أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ، غير أنك لست بنبي ] [42] ، لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي . فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذهب غير مرة وخليفته على المدينة غير علي ، كما اعتمر عمرة الحديبية وعلي معه وخليفته غيره ، وغزا بعد ذلك خيبر ومعه علي وخليفته بالمدينة غيره ، وغزا غزوة الفتح وعلي معه وخليفته في المدينة [43] غيره ، وغزا حنينا والطائف وعلي معه وخليفته بالمدينة غيره ، [ وحج حجة الوداع وعلي معه وخليفته بالمدينة غيره ] [44] ، وغزا غزوة بدر ومعه علي وخليفته بالمدينة غيره .
وكل هذا معلوم بالأسانيد الصحيحة وباتفاق أهل العلم بالحديث ، وكان علي معه في غالب الغزوات وإن لم يكن فيها قتال .
فإن قيل : استخلافه يدل على أنه لا يستخلف إلا الأفضل ، لزم أن يكون علي مفضولا في عامة الغزوات ، وفي عمرته وحجته ، لا سيما وكل مرة كان يكون الاستخلاف على رجال مؤمنين ، وعام تبوك ما كان الاستخلاف إلا على النساء والصبيان ومن عذر الله ، وعلى الثلاثة الذين [ ص: 35 ] خلفوا [45] أو متهم بالنفاق ، وكانت المدينة آمنة لا يخاف على أهلها ، ولا يحتاج المستخلف إلى جهاد كما يحتاج في أكثر الاستخلافات .
وكذلك قوله : " وسد الأبواب كلها إلا باب علي " فإن هذا مما وضعته الشيعة على طريق المقابلة [46] ، فإن الذي في الصحيح عن أبي سعيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في مرضه الذي مات فيه : " إن أمن الناس علي في ماله وصحبته أبو بكر ، ولو كنت متخذا خليلا غير ربي لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن أخوة الإسلام ومودته ، لا يبقين في المسجد خوخة إلا سدت إلا خوخة أبي بكر " ورواه ابن عباس أيضا في الصحيحين [47] ، ومثل قوله : " أنت وليي في كل مؤمن بعدي " فإن هذا [ ص: 36 ] موضوع باتفاق أهل المعرفة بالحديث [48] ، والذي فيه من الصحيح [49] ليس هو من خصائص الأئمة ، بل ولا من خصائص علي ، بل قد شاركه فيه غيره ، مثل كونه يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله ومثل استخلافه وكونه منه بمنزلة هارون من موسى ، ومثل كون علي مولى من النبي - صلى الله عليه وسلم - مولاه [50] فإن كل مؤمن موال لله ورسوله ، ومثل كون ( براءة ) لا يبلغها إلا رجل من بني هاشم ; فإن هذا يشترك فيه جميع الهاشميين ، لما روي أن العادة كانت جارية بأن لا ينقض العهود ويحلها [51] إلا رجل من قبيلة المطاع .


