والفقهاء متفقون على أن
nindex.php?page=treesubj&link=20492_20533أفعال البر تنقسم إلى واجب ومستحب ، والمستحب هو ما أحبه الله ورسوله ، وأن المنهي عنه
[1] كله مكروه ، كرهه الله ورسوله . والكراهة نوعان :
nindex.php?page=treesubj&link=20567كراهة تحريم ،
nindex.php?page=treesubj&link=20568وكراهة تنزيه .
وقد قال - تعالى - لما ذكر المحرمات :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=38كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها [ سورة الإسراء : 38 ] . وفي الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=660244إن الله يكره لكم قيل وقال ، وكثرة السؤال ، وإضاعة [ ص: 301 ] المال "
[2] وفي الصحيح أيضا عنه أنه قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=655755إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب "
[3] قالوا : فهذا دليل على أنه يكون في العالم ما هو مكروه لله ، [ فلا يكون مرادا لله ]
[4] فيكون في العالم ما لا يريده الله ، وهو ما لم يأمر الله به أو ينه عنه
[5] .
قالوا : والأمر لا يعقل أمرا إلا بإرادة الآمر لما أمر به من المأمور ، ومن قدر أن الآمر يطلب المأمور به طلبا لا يكون إرادة ولا مستلزما للإرادة ، فهذا قد ادعى ما يعلم فساده بالضرورة ، وما يحتج به من التمثيل بأمر الممتحن ، فذاك لم يكن طالبا
[6] للمأمور به ، ولا مريدا له في الباطن ، بل أظهر أنه مريد طالب .
[ وقالوا ]
[7] : قد قال الله - تعالى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=185يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ) [ سورة البقرة : 185 ] .
[ ص: 302 ] وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون ) [ سورة المائدة : 6 ] .
وقال - تعالى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=26يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=27والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=28يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا ) [ سورة النساء : 26 - 28 ] .
وقال الله - تعالى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=33إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) [ سورة الأحزاب : 33 ] .
فهذه المرادات كلها قد أمر بها عباده ، فمنهم من أطاع ، ومنهم من عصى ، فعلم أنه قد يريد من العباد ما لا يفعلونه ، كما يأمرهم
[8] بما لا يفعلونه .
قالت
القدرية الجبرية من
الجهمية ، ومن اتبعهم : بل إرادته - تعالى - تتناول ما وجد دون ما لم يوجد ، فإن المسلمين متفقون على قولهم : ما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن ، ولأن إرادة ما علم أنه لا يكون تمن . وقد قال سبحانه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=27ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء ) [ سورة إبراهيم : 27 ] ، فكل ما يشاؤه فقد فعله .
وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=13ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ) [ سورة السجدة : 13 ] فعلم أنه لم يشأ ذلك ، فلم يرد هدى كل أحد ، وإن كان قد أمر به .
[ ص: 303 ] وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=125فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء ) [ سورة الأنعام : 125 ] ، فعلم أنه يريد الإضلال ، كما يريد شرح الصدر للإسلام .
وقال
نوح : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=34ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم ) [ سورة هود : 34 ] ، فدل على أنه يريد إغواء من غوى .
وقد قال - تعالى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=16الله خالق كل شيء ) [ سورة الرعد : 16 ] ، فكل ما وجد من أفعال [ العباد ]
[9] . وغيرها فإن الله خالقه .
[ قالوا ]
[10] : وما أراده فقد أحبه ورضيه ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=205لا يحب الفساد ) [ سورة البقرة : 205 ] أي : ممن لم يفسد ، أو لا يحبه دينا
[11] .
وكذلك قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=7ولا يرضى لعباده الكفر ) [ سورة الزمر : 7 ] أي : ممن لم يكفر ، أو لا يرضاه
[12] دينا ، كما أنه لا يحب الإيمان ممن لم يؤمن ، أو لا يحبه غير دين .
قال المنازعون لهم من
المعتزلة وغيرهم : فقد قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=108إذ يبيتون ما لا يرضى من القول ) [ سورة النساء : 108 ] . وأولئك منافقون ، وذاك القول محرم عليهم ، وهو واقع منهم ، وقد أخبر أنه لا يرضاه ، فعلم أنه
[13] . ما وقع من المعاصي لا يرضاه .
وكذلك قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=7إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر )
[ ص: 304 ] [ سورة الزمر : 7 ] : أخبر أنه لا يرضاه بتقدير وقوعه ، ولا يقال : إنه يرضى كل موجود .
وقولكم : لا يرضاه دينا ، فالرضا في كتاب الله متعلق بنفس الفعل ، [ لا بشيء ]
[14] محذوف ، وكونه لا يرضاه دينا عندكم ، معناه : لا يريد أن يثيب صاحبه عليه ، ومعلوم أن إبليس والشياطين لا يرضونه دينا بهذا الاعتبار ، مع أن إبليس يرضى الكفر ويختاره ، فإنه قد يحب ما يبغضه الله ويبغض ما يحبه [ الله ]
[15] ليغوي الناس بذلك .
قال الله تعالى عنه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=50أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا ) [ سورة الكهف : 50 ] وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=60ألم أعهد إليكم يابني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=61وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم ) [ سورة يس : 60 - 61 ] . قالوا : والأمة متفقة على أن الله - سبحانه - يحب الإيمان والعمل الصالح ، ويحب المتقين والمحسنين ، ويحب التوابين ، ويحب المتطهرين ، ويحب المقسطين ، ولا يحب المعاصي ولا يرضاها .
واحتجاجنا بهذا الإجماع أقوى من احتجاجكم بقولهم
[16] : " ما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن " فإنهم كلهم يقولون : إن الصلاة والصدقة والأعمال الصالحة يرضاها الله ورسوله ، ويحبها الله ورسوله ، ويقولون عن الفواحش والظلم : هذا لا يرضاه الله ورسوله ، ولا يحبه الله ورسوله .
[ ص: 305 ] فأنتم خالفتم الكتاب والسنة والإجماع في قولكم : إن كل ما وقع من الكفر [ والفسوق ]
[17] والعصيان فإن الله يحبه ويرضاه .
قالت
القدرية المجبرة من
الجهمية وغيرهم : أنتم تقولون : إن الله لم يختص المؤمنين بنعمة اهتدوا بها ، بل نعمته على الكفار والمؤمنين في الإيمان سواء ، وهذا خلاف الشرع [ والعقل ]
[18] ; فإن الله تعالى يقول : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=7ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون ) [ سورة الحجرات : 7 ] .
وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=17يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين [ سورة الحجرات : 17 ] .
وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=53وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا ) [ سورة الأنعام : 53 ] ، وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=21ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكا منكم من أحد أبدا ) [ سورة النور : 21 ] .
وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=24واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه ) [ سورة الأنفال : 24 ] .
وقال الخليل - عليه السلام - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=128ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك ) [ سورة البقرة : 128 ] .
وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=35واجنبني وبني أن نعبد الأصنام رب إنهن أضللن كثيرا من الناس ) [ سورة إبراهيم : 35 - 36 ] ، وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=28لمن شاء منكم أن يستقيم وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين ) [ سورة التكوير : 28 - 29 ] .
[ ص: 306 ] وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=19فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا ) [ سورة المزمل : 19 ] .
[ وقال ]
[19] : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=30وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما ) [ سورة الإنسان : 30 ] .
وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=55فمن شاء ذكره nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=56وما يذكرون إلا أن يشاء الله هو أهل التقوى وأهل المغفرة ) [ سورة المدثر : 55 - 56 ] .
وقد أمرنا أن نقول في الصلاة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=6اهدنا الصراط المستقيم nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) [ سورة الفاتحة : 6 - 7 ] .
والذين أنعم الله عليهم : هم
[20] المذكورون في قوله - تعالى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=69فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ) [ سورة النساء : 69 ] .
وَالْفُقَهَاءُ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=20492_20533أَفْعَالَ الْبِرِّ تَنْقَسِمُ إِلَى وَاجِبٍ وَمُسْتَحَبٍّ ، وَالْمُسْتَحَبُّ هُوَ مَا أَحَبَّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ، وَأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ
[1] كُلُّهُ مَكْرُوهٌ ، كَرِهَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ . وَالْكَرَاهَةُ نَوْعَانِ :
nindex.php?page=treesubj&link=20567كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ ،
nindex.php?page=treesubj&link=20568وَكَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ .
وَقَدْ قَالَ - تَعَالَى - لَمَّا ذَكَرَ الْمُحَرَّمَاتِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=38كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا [ سُورَةُ الْإِسْرَاءِ : 38 ] . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=660244إِنَّ اللَّهَ يَكْرَهُ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ ، وَإِضَاعَةَ [ ص: 301 ] الْمَالِ "
[2] وَفِي الصَّحِيحِ أَيْضًا عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=655755إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ "
[3] قَالُوا : فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَكُونُ فِي الْعَالَمِ مَا هُوَ مَكْرُوهٌ لِلَّهِ ، [ فَلَا يَكُونُ مُرَادًا لِلَّهِ ]
[4] فَيَكُونُ فِي الْعَالَمِ مَا لَا يُرِيدُهُ اللَّهُ ، وَهُوَ مَا لَمْ يَأْمُرِ اللَّهُ بِهِ أَوْ يَنْهَ عَنْهُ
[5] .
قَالُوا : وَالْأَمْرُ لَا يُعْقَلُ أَمْرًا إِلَّا بِإِرَادَةِ الْآمِرِ لِمَا أَمَرَ بِهِ مِنَ الْمَأْمُورِ ، وَمَنْ قَدَّرَ أَنَّ الْآمِرَ يَطْلُبُ الْمَأْمُورَ بِهِ طَلَبًا لَا يَكُونُ إِرَادَةً وَلَا مُسْتَلْزِمًا لِلْإِرَادَةِ ، فَهَذَا قَدِ ادَّعَى مَا يُعْلَمُ فَسَادُهُ بِالضَّرُورَةِ ، وَمَا يُحْتَجُّ بِهِ مِنَ التَّمْثِيلِ بِأَمْرِ الْمُمْتَحِنِ ، فَذَاكَ لَمْ يَكُنْ طَالِبًا
[6] لِلْمَأْمُورِ بِهِ ، وَلَا مُرِيدًا لَهُ فِي الْبَاطِنِ ، بَلْ أَظْهَرَ أَنَّهُ مُرِيدٌ طَالِبٌ .
[ وَقَالُوا ]
[7] : قَدْ قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=185يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) [ سُورَةُ الْبَقَرَةِ : 185 ] .
[ ص: 302 ] وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) [ سُورَةُ الْمَائِدَةِ : 6 ] .
وَقَالَ - تَعَالَى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=26يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=27وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=28يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا ) [ سُورَةُ النِّسَاءِ : 26 - 28 ] .
وَقَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=33إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) [ سُورَةُ الْأَحْزَابِ : 33 ] .
فَهَذِهِ الْمُرَادَاتُ كُلُّهَا قَدْ أَمَرَ بِهَا عِبَادَهُ ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَطَاعَ ، وَمِنْهُمْ مَنْ عَصَى ، فَعُلِمَ أَنَّهُ قَدْ يُرِيدُ مِنَ الْعِبَادِ مَا لَا يَفْعَلُونَهُ ، كَمَا يَأْمُرُهُمْ
[8] بِمَا لَا يَفْعَلُونَهُ .
قَالَتِ
الْقَدَرِيَّةُ الْجَبْرِيَّةُ مِنَ
الْجَهْمِيَّةِ ، وَمَنِ اتَّبَعَهُمْ : بَلْ إِرَادَتُهُ - تَعَالَى - تَتَنَاوَلُ مَا وُجِدَ دُونَ مَا لَمْ يُوجَدْ ، فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ مُتَّفِقُونَ عَلَى قَوْلِهِمْ : مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ ، وَلِأَنَّ إِرَادَةَ مَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ تَمَنٍّ . وَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=27وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ) [ سُورَةُ إِبْرَاهِيمَ : 27 ] ، فَكُلُّ مَا يَشَاؤُهُ فَقَدْ فَعَلَهُ .
وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=13وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا ) [ سُورَةُ السَّجْدَةِ : 13 ] فَعُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَشَأْ ذَلِكَ ، فَلَمْ يُرِدْ هُدَى كُلِّ أَحَدٍ ، وَإِنْ كَانَ قَدْ أَمَرَ بِهِ .
[ ص: 303 ] وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=125فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ) [ سُورَةُ الْأَنْعَامِ : 125 ] ، فَعُلِمَ أَنَّهُ يُرِيدُ الْإِضْلَالَ ، كَمَا يُرِيدُ شَرْحَ الصَّدْرِ لِلْإِسْلَامِ .
وَقَالَ
نُوحٌ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=34وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ ) [ سُورَةُ هُودٍ : 34 ] ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يُرِيدُ إِغْوَاءَ مَنْ غَوَى .
وَقَدْ قَالَ - تَعَالَى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=16اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ) [ سُورَةُ الرَّعْدِ : 16 ] ، فَكُلُّ مَا وُجِدَ مِنْ أَفْعَالِ [ الْعِبَادِ ]
[9] . وَغَيْرِهَا فَإِنَّ اللَّهَ خَالِقُهُ .
[ قَالُوا ]
[10] : وَمَا أَرَادَهُ فَقَدْ أَحَبَّهُ وَرَضِيَهُ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=205لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ ) [ سُورَةُ الْبَقَرَةِ : 205 ] أَيْ : مِمَّنْ لَمْ يُفْسِدْ ، أَوْ لَا يُحِبُّهُ دِينًا
[11] .
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=7وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ ) [ سُورَةُ الزُّمَرِ : 7 ] أَيْ : مِمَّنْ لَمْ يَكْفُرْ ، أَوْ لَا يَرْضَاهُ
[12] دِينًا ، كَمَا أَنَّهُ لَا يُحِبُّ الْإِيمَانَ مِمَّنْ لَمْ يُؤْمِنْ ، أَوْ لَا يُحِبُّهُ غَيْرَ دِينٍ .
قَالَ الْمُنَازِعُونَ لَهُمْ مِنَ
الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ : فَقَدْ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=108إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ ) [ سُورَةُ النِّسَاءِ : 108 ] . وَأُولَئِكَ مُنَافِقُونَ ، وَذَاكَ الْقَوْلُ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِمْ ، وَهُوَ وَاقِعٌ مِنْهُمْ ، وَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يَرْضَاهُ ، فَعُلِمَ أَنَّهُ
[13] . مَا وَقَعَ مِنَ الْمَعَاصِي لَا يَرْضَاهُ .
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=7إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ )
[ ص: 304 ] [ سُورَةُ الزُّمَرِ : 7 ] : أَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يَرْضَاهُ بِتَقْدِيرِ وُقُوعِهِ ، وَلَا يُقَالُ : إِنَّهُ يَرْضَى كُلَّ مَوْجُودٍ .
وَقَوْلُكُمْ : لَا يَرْضَاهُ دِينًا ، فَالرِّضَا فِي كِتَابِ اللَّهِ مُتَعَلِّقٌ بِنَفْسِ الْفِعْلِ ، [ لَا بِشَيْءٍ ]
[14] مَحْذُوفٍ ، وَكَوْنُهُ لَا يَرْضَاهُ دِينًا عِنْدَكُمْ ، مَعْنَاهُ : لَا يُرِيدُ أَنْ يُثِيبَ صَاحِبَهُ عَلَيْهِ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ إِبْلِيسَ وَالشَّيَاطِينَ لَا يَرْضَوْنَهُ دِينًا بِهَذَا الِاعْتِبَارِ ، مَعَ أَنَّ إِبْلِيسَ يَرْضَى الْكُفْرَ وَيَخْتَارُهُ ، فَإِنَّهُ قَدْ يُحِبُّ مَا يُبْغِضُهُ اللَّهُ وَيُبْغِضُ مَا يُحِبُّهُ [ اللَّهُ ]
[15] لِيُغْوِيَ النَّاسَ بِذَلِكَ .
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=50أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا ) [ سُورَةُ الْكَهْفِ : 50 ] وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=60أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=61وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ) [ سُورَةُ يس : 60 - 61 ] . قَالُوا : وَالْأُمَّةُ مُتَّفِقَةٌ عَلَى أَنَّ اللَّهَ - سُبْحَانَهُ - يُحِبُّ الْإِيمَانَ وَالْعَمَلَ الصَّالِحَ ، وَيُحِبُّ الْمُتَّقِينَ وَالْمُحْسِنِينَ ، وَيُحِبُّ التَّوَّابِينَ ، وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ، وَيُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ، وَلَا يُحِبُّ الْمَعَاصِيَ وَلَا يَرْضَاهَا .
وَاحْتِجَاجُنَا بِهَذَا الْإِجْمَاعِ أَقْوَى مِنِ احْتِجَاجِكُمْ بِقَوْلِهِمْ
[16] : " مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ " فَإِنَّهُمْ كُلُّهُمْ يَقُولُونَ : إِنَّ الصَّلَاةَ وَالصَّدَقَةَ وَالْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ يَرْضَاهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ ، وَيُحِبُّهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ ، وَيَقُولُونَ عَنِ الْفَوَاحِشِ وَالظُّلْمِ : هَذَا لَا يَرْضَاهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ، وَلَا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ .
[ ص: 305 ] فَأَنْتُمْ خَالَفْتُمُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَالْإِجْمَاعَ فِي قَوْلِكُمْ : إِنَّ كُلَّ مَا وَقَعَ مِنَ الْكُفْرِ [ وَالْفُسُوقِ ]
[17] وَالْعِصْيَانِ فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ .
قَالَتِ
الْقَدَرِيَّةُ الْمُجْبِرَةُ مِنَ
الْجَهْمِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ : أَنْتُمْ تَقُولُونَ : إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَخْتَصَّ الْمُؤْمِنِينَ بِنِعْمَةٍ اهْتَدَوْا بِهَا ، بَلْ نِعْمَتُهُ عَلَى الْكُفَّارِ وَالْمُؤْمِنِينَ فِي الْإِيمَانِ سَوَاءٌ ، وَهَذَا خِلَافُ الشَّرْعِ [ وَالْعَقْلِ ]
[18] ; فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=7وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ ) [ سُورَةُ الْحُجُرَاتِ : 7 ] .
وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=17يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [ سُورَةُ الْحُجُرَاتِ : 17 ] .
وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=53وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا ) [ سُورَةُ الْأَنْعَامِ : 53 ] ، وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=21وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا ) [ سُورَةُ النُّورِ : 21 ] .
وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=24وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ ) [ سُورَةُ الْأَنْفَالِ : 24 ] .
وَقَالَ الْخَلِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=128رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ ) [ سُورَةُ الْبَقَرَةِ : 128 ] .
وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=35وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ ) [ سُورَةُ إِبْرَاهِيمَ : 35 - 36 ] ، وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=28لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) [ سُورَةُ التَّكْوِيرِ : 28 - 29 ] .
[ ص: 306 ] وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=19فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا ) [ سُورَةُ الْمُزَّمِّلِ : 19 ] .
[ وَقَالَ ]
[19] : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=30وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ) [ سُورَةُ الْإِنْسَانِ : 30 ] .
وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=55فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=56وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ ) [ سُورَةُ الْمُدَّثِّرِ : 55 - 56 ] .
وَقَدْ أَمَرَنَا أَنْ نَقُولَ فِي الصَّلَاةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=6اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ) [ سُورَةُ الْفَاتِحَةِ : 6 - 7 ] .
وَالَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ : هُمُ
[20] الْمَذْكُورُونَ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=69فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ) [ سُورَةُ النِّسَاءِ : 69 ] .