والإنسان قد يكون في قلبه معارف وإرادات ، ولا يدري أنها في قلبه ، فوجود الشيء في القلب شيء ، والدراية به شيء آخر ; ولهذا يوجد الواحد من هؤلاء يطلب تحصيل ذلك في قلبه ، وهو حاصل في قلبه ، فتراه يتعب تعبا كثيرا لجهله ، وهذا كالموسوس
[1] في الصلاة ; فإن كل من فعل فعلا باختياره ، وهو يعلم ما يفعله
[2] ، فلا بد أن ينويه ، ووجود ذلك بدون النية - التي هي الإرادة - ممتنع ، فمن كان يعلم أنه يقوم إلى الصلاة فهو يريد الصلاة ، ولا يتصور أن يصلي إلا وهو يريد الصلاة
[3] ،
[ ص: 399 ] فطلب مثل هذا لتحصيل النية من جهله بحقيقة النية ووجودها في نفسه .
وكذلك من كان يعلم أن غدا من رمضان ، وهو مسلم يعتقد وجوب الصوم ، وهو مريد للصوم
[4] ، فهذا نية الصوم . وهو حين يتعشى يتعشى عشاء من يريد الصوم ، ولهذا يفرق بين عشاء ليلة العيد ، وعشاء ليالي شهر رمضان ، فليلة العيد يعلم أنه لا يصوم ، فلا يريد الصوم ولا ينويه ، ولا يتعشى عشاء من يريد الصوم .
وهذا مثل الذي يأكل ويشرب ، ويمشي ويركب ، ويلبس ، إذا كان يعلم أنه يفعل هذه الأفعال ، فلا بد أن يريدها ، وهذه نيتها ، فلو قال بلسانه : أريد أن أضع يدي في هذا الإناء لآخذ لقمة آكلها ، كان أحمق عند الناس . فهكذا من يتكلم بمثل هذه الألفاظ في نية الصلاة والطهارة والصيام
[5] . ومع هذا فتجد خلقا كثيرا من الموسوسين بعلم وعبادة يجتهد في تحصيل هذه النية أعظم مما يجتهد من يستخرج ما في قعر معدته من القيء ، أو من يبتلع الأدوية الكريهة .
وكذلك كثير من المعارف ، قد يكون في نفس الإنسان ضروريا وفطريا ، وهو يطلب الدليل عليه ; لإعراضه عما في نفسه ، وعدم شعوره بشعوره .
فهكذا كثير من المؤمنين يكون في قلبه محبة لله ورسوله ، وقد نظر في كلام
الجهمية والمعتزلة نفاة المحبة ، واعتقد ذلك قولا صحيحا ; لما ظنه من صحة شبهاتهم ، أو تقليدا لهم ، فصار يقول بموجب ذلك الاعتقاد ،
[ ص: 400 ] وينكر ما في نفسه .
فإن نافي محبة الله يقول : المحبة لا تكون إلا لما يناسب المحبوب ، ولا مناسبة بين القديم والمحدث ، وبين الواجب والممكن ، وبين الخالق والمخلوق .
فيقال : لفظ المناسبة لفظ مجمل ، فإنه يقال : لا مناسبة بين كذا وكذا ، أي أحدهما أعظم من الآخر ، فلا ينسب هذا إلى هذا . كما يقال : لا نسبة لمال فلان إلى مال فلان ، ولا نسبة لعلمه أو جوده أو ملكه [ إلى علم فلان وجود فلان وملك فلان ، ]
[6] يراد به أن هذه النسبة حقيرة صغيرة كلا نسبة ، كما يقال : لا نسبة للخردلة إلى الجبل ، ولا نسبة للتراب إلى رب الأرباب .
فإذا أريد بأنه لا نسبة للمحدث إلى القديم هذا المعنى ونحوه ، فهو صحيح ، وليست المحبة مستلزمة لهذه النسبة ، وإن أريد أن ليس في القديم معنى يحبه لأجله المحدث ، فهذا رأس المسألة ، فلم قلت : إنه ليس بين المحدث والقديم ما يحب المحدث القديم لأجله ؟ ولم قلت : إن القديم ليس متصفا بمحبة ما يحبه من مخلوقاته ؟
nindex.php?page=treesubj&link=28683_29700والمحبة لا تستلزم نقصا ، بل هي صفة كمال ، بل هي أصل الإرادة . فكل إرادة فلا بد أن تستلزم محبة ؛ فإن الشيء إنما يراد ; لأنه محبوب ، أو لأنه وسيلة إلى المحبوب . ولو قدر عدم المحبة لامتنعت الإرادة ; فإن المحبة لازمة للإرادة ، فإذا انتفى اللازم انتفى الملزوم ، وكذلك المحبة
[ ص: 401 ] مستلزمة للإرادة ، فمن أحب شيئا فلا بد أن يتضمن حبه إياه ، إرادة لبعض متعلقاته .
ولهذا كان خلقه تعالى لمخلوقاته لحكمة
[7] ، والحكمة مرادة محبوبة . فهو خلق ما خلق لمراد محبوب كما تقدم ، وهو سبحانه يحب عباده المؤمنين ، فيريد الإحسان إليهم ، وهم يحبونه فيريدون عبادته
[8] [ وطاعته ] .
و [ قد ثبت ] في الصحيحين
[9] عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=650013لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين "
[10] nindex.php?page=treesubj&link=28750وما من مؤمن إلا وهو يجد في قلبه للرسول من المحبة ما لا يجد [11] لغيره ، حتى أنه إذا سمع محبوبا له - من أقاربه وأصدقائه
[12] - يسب الرسول ، هان عليه عداوته ومهاجرته ، بل وقتله لحب الرسول ، وإن لم يفعل ذلك لم يكن مؤمنا .
قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=22لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ) [ سورة المجادلة : 22 ] ، [ بل قد ] .
[ ص: 402 ] قال تعالى
[13] : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=24قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره ) [ سورة التوبة : 24 ] ، فتوعد من كان الأهل والمال أحب إليه من الله ورسوله والجهاد في سبيله .
وفي الصحيحين عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=692409ثلاث من كن فيه وجد بهن [14] حلاوة الإيمان : من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، ومن كان يحب المرء لا يحبه إلا لله ، ومن كان يكره أن يرجع في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار "
[15] .
فوجود حلاوة الإيمان في القلب لا تكون من محبة العوض الذي لم يحصل بعد ، بل الفاعل الذي لا يعمل إلا للكراء لا يجد حال العمل إلا التعب والمشقة وما يؤلمه ، فلو كان لا معنى لمحبة الله ورسوله إلا محبة
[ ص: 403 ] ما سيصير إليه العبد من الأجر ، لم يكن هنا حلاوة إيمان يجدها العبد في قلبه وهو في دار التكليف والامتحان ، وهذا خلاف الشرع وخلاف الفطرة التي فطر الله عليها قلوب عباده .
فقد ثبت في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=651296كل مولود يولد على الفطرة "
[16] وفي صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم عنه أنه قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=885964يقول الله تعالى : خلقت عبادي حنفاء ، فاجتالتهم الشياطين ، وحرمت عليهم ما أحللت لهم ، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا "
[17] .
وَالْإِنْسَانُ قَدْ يَكُونُ فِي قَلْبِهِ مَعَارِفُ وَإِرَادَاتٌ ، وَلَا يَدْرِي أَنَّهَا فِي قَلْبِهِ ، فَوُجُودُ الشَّيْءِ فِي الْقَلْبِ شَيْءٌ ، وَالدِّرَايَةُ بِهِ شَيْءٌ آخَرُ ; وَلِهَذَا يُوجَدُ الْوَاحِدُ مِنْ هَؤُلَاءِ يَطْلُبُ تَحْصِيلَ ذَلِكَ فِي قَلْبِهِ ، وَهُوَ حَاصِلٌ فِي قَلْبِهِ ، فَتَرَاهُ يَتْعَبُ تَعَبًا كَثِيرًا لِجَهْلِهِ ، وَهَذَا كَالْمُوَسْوَسِ
[1] فِي الصَّلَاةِ ; فَإِنَّ كُلَّ مَنْ فَعَلَ فِعْلًا بِاخْتِيَارِهِ ، وَهُوَ يَعْلَمُ مَا يَفْعَلُهُ
[2] ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَنْوِيَهُ ، وَوُجُودُ ذَلِكَ بِدُونِ النِّيَّةِ - الَّتِي هِيَ الْإِرَادَةُ - مُمْتَنِعٌ ، فَمَنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَقُومُ إِلَى الصَّلَاةِ فَهُوَ يُرِيدُ الصَّلَاةَ ، وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يُصَلِّيَ إِلَّا وَهُوَ يُرِيدُ الصَّلَاةَ
[3] ،
[ ص: 399 ] فَطَلَبَ مِثْلَ هَذَا لِتَحْصِيلِ النِّيَّةِ مِنْ جَهْلِهِ بِحَقِيقَةِ النِّيَّةِ وَوُجُودِهَا فِي نَفْسِهِ .
وَكَذَلِكَ مَنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ ، وَهُوَ مُسْلِمٌ يَعْتَقِدُ وُجُوبَ الصَّوْمِ ، وَهُوَ مُرِيدٌ لِلصَّوْمِ
[4] ، فَهَذَا نِيَّةُ الصَّوْمِ . وَهُوَ حِينَ يَتَعَشَّى يَتَعَشَّى عَشَاءَ مَنْ يُرِيدُ الصَّوْمَ ، وَلِهَذَا يُفَرِّقُ بَيْنَ عَشَاءِ لَيْلَةِ الْعِيدِ ، وَعِشَاءِ لَيَالِي شَهْرِ رَمَضَانَ ، فَلَيْلَةُ الْعِيدِ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَصُومُ ، فَلَا يُرِيدُ الصَّوْمَ وَلَا يَنْوِيهِ ، وَلَا يَتَعَشَّى عَشَاءَ مَنْ يُرِيدُ الصَّوْمَ .
وَهَذَا مِثْلُ الَّذِي يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ ، وَيَمْشِي وَيَرْكَبُ ، وَيَلْبَسُ ، إِذَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَفْعَلُ هَذِهِ الْأَفْعَالَ ، فَلَا بُدَّ أَنْ يُرِيدَهَا ، وَهَذِهِ نِيَّتُهَا ، فَلَوْ قَالَ بِلِسَانِهِ : أُرِيدُ أَنْ أَضَعَ يَدِيَ فِي هَذَا الْإِنَاءِ لِآخُذَ لُقْمَةً آكُلُهَا ، كَانَ أَحْمَقَ عِنْدَ النَّاسِ . فَهَكَذَا مَنْ يَتَكَلَّمُ بِمِثْلِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ فِي نِيَّةِ الصَّلَاةِ وَالطَّهَارَةِ وَالصِّيَامِ
[5] . وَمَعَ هَذَا فَتَجِدُ خَلْقًا كَثِيرًا مِنَ الْمُوَسْوَسِينَ بِعِلْمٍ وَعِبَادَةٍ يَجْتَهِدُ فِي تَحْصِيلِ هَذِهِ النِّيَّةِ أَعْظَمَ مِمَّا يَجْتَهِدُ مَنْ يَسْتَخْرِجُ مَا فِي قَعْرِ مَعِدَتِهِ مِنَ الْقَيْءِ ، أَوْ مَنْ يَبْتَلِعُ الْأَدْوِيَةَ الْكَرِيهَةَ .
وَكَذَلِكَ كَثِيرٌ مِنَ الْمَعَارِفِ ، قَدْ يَكُونُ فِي نَفْسِ الْإِنْسَانِ ضَرُورِيًّا وَفِطْرِيًّا ، وَهُوَ يَطْلُبُ الدَّلِيلَ عَلَيْهِ ; لِإِعْرَاضِهِ عَمَّا فِي نَفْسِهِ ، وَعَدَمِ شُعُورِهِ بِشُعُورِهِ .
فَهَكَذَا كَثِيرٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يَكُونُ فِي قَلْبِهِ مَحَبَّةٌ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ، وَقَدْ نَظَرَ فِي كَلَامِ
الْجَهْمِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ نُفَاةِ الْمَحَبَّةِ ، وَاعْتَقَدَ ذَلِكَ قَوْلًا صَحِيحًا ; لِمَا ظَنَّهُ مِنْ صِحَّةِ شُبُهَاتِهِمْ ، أَوْ تَقْلِيدًا لَهُمْ ، فَصَارَ يَقُولُ بِمُوجِبِ ذَلِكَ الِاعْتِقَادِ ،
[ ص: 400 ] وَيُنْكِرُ مَا فِي نَفْسِهِ .
فَإِنَّ نَافِيَ مَحَبَّةِ اللَّهِ يَقُولُ : الْمَحَبَّةُ لَا تَكُونُ إِلَّا لِمَا يُنَاسِبُ الْمَحْبُوبَ ، وَلَا مُنَاسَبَةَ بَيْنَ الْقَدِيمِ وَالْمُحْدَثِ ، وَبَيْنَ الْوَاجِبِ وَالْمُمْكِنِ ، وَبَيْنَ الْخَالِقِ وَالْمَخْلُوقِ .
فَيُقَالُ : لَفْظُ الْمُنَاسَبَةِ لَفْظٌ مُجْمَلٌ ، فَإِنَّهُ يُقَالُ : لَا مُنَاسَبَةَ بَيْنَ كَذَا وَكَذَا ، أَيْ أَحَدُهُمَا أَعْظَمُ مِنَ الْآخَرِ ، فَلَا يُنْسَبُ هَذَا إِلَى هَذَا . كَمَا يُقَالُ : لَا نِسْبَةَ لِمَالِ فُلَانٍ إِلَى مَالِ فُلَانٍ ، وَلَا نِسْبَةَ لِعِلْمِهِ أَوْ جُودِهِ أَوْ مِلْكِهِ [ إِلَى عِلْمِ فُلَانٍ وُجُودِ فُلَانٍ وَمِلْكِ فُلَانٍ ، ]
[6] يُرَادُ بِهِ أَنَّ هَذِهِ النِّسْبَةَ حَقِيرَةٌ صَغِيرَةٌ كَلَا نِسْبَةَ ، كَمَا يُقَالُ : لَا نِسْبَةَ لِلْخَرْدَلَةِ إِلَى الْجَبَلِ ، وَلَا نِسْبَةَ لِلتُّرَابِ إِلَى رَبِّ الْأَرْبَابِ .
فَإِذَا أُرِيدَ بِأَنَّهُ لَا نِسْبَةَ لِلْمُحْدَثِ إِلَى الْقَدِيمِ هَذَا الْمَعْنَى وَنَحْوُهُ ، فَهُوَ صَحِيحٌ ، وَلَيْسَتِ الْمَحَبَّةُ مُسْتَلْزِمَةٌ لِهَذِهِ النِّسْبَةِ ، وَإِنْ أُرِيدَ أَنْ لَيْسَ فِي الْقَدِيمِ مَعْنًى يُحِبُّهُ لِأَجْلِهِ الْمُحْدَثُ ، فَهَذَا رَأَسُ الْمَسْأَلَةِ ، فَلِمَ قُلْتَ : إِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ الْمُحْدَثِ وَالْقَدِيمِ مَا يُحِبُّ الْمُحْدَثُ الْقَدِيمَ لِأَجْلِهِ ؟ وَلِمَ قُلْتَ : إِنَّ الْقَدِيمَ لَيْسَ مُتَّصِفًا بِمَحَبَّةِ مَا يُحِبُّهُ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ ؟
nindex.php?page=treesubj&link=28683_29700وَالْمَحَبَّةُ لَا تَسْتَلْزِمُ نَقْصًا ، بَلْ هِيَ صِفَةُ كَمَالٍ ، بَلْ هِيَ أَصْلُ الْإِرَادَةِ . فَكُلُّ إِرَادَةٍ فَلَا بُدَّ أَنْ تَسْتَلْزِمَ مَحَبَّةً ؛ فَإِنَّ الشَّيْءَ إِنَّمَا يُرَادُ ; لِأَنَّهُ مَحْبُوبٌ ، أَوْ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إِلَى الْمَحْبُوبِ . وَلَوْ قُدِّرَ عَدَمُ الْمَحَبَّةِ لَامْتَنَعَتِ الْإِرَادَةُ ; فَإِنَّ الْمَحَبَّةَ لَازِمَةٌ لِلْإِرَادَةِ ، فَإِذَا انْتَفَى اللَّازِمُ انْتَفَى الْمَلْزُومُ ، وَكَذَلِكَ الْمَحَبَّةُ
[ ص: 401 ] مُسْتَلْزِمَةٌ لِلْإِرَادَةِ ، فَمَنْ أَحَبَّ شَيْئًا فَلَا بُدَّ أَنْ يَتَضَمَّنَ حُبُّهُ إِيَّاهُ ، إِرَادَةً لِبَعْضِ مُتَعَلِّقَاتِهِ .
وَلِهَذَا كَانَ خَلْقُهُ تَعَالَى لِمَخْلُوقَاتِهِ لِحِكْمَةٍ
[7] ، وَالْحِكْمَةُ مُرَادَةٌ مَحْبُوبَةٌ . فَهُوَ خَلَقَ مَا خَلَقَ لِمُرَادٍ مَحْبُوبٍ كَمَا تَقَدَّمَ ، وَهُوَ سُبْحَانُهُ يُحِبُّ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ ، فَيُرِيدُ الْإِحْسَانَ إِلَيْهِمْ ، وَهُمْ يُحِبُّونَهُ فَيُرِيدُونَ عِبَادَتَهُ
[8] [ وَطَاعَتَهُ ] .
وَ [ قَدْ ثَبَتَ ] فِي الصَّحِيحَيْنِ
[9] عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=650013لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ "
[10] nindex.php?page=treesubj&link=28750وَمَا مِنْ مُؤْمِنٍ إِلَّا وَهُوَ يَجِدُ فِي قَلْبِهِ لِلرَّسُولِ مِنَ الْمَحَبَّةِ مَا لَا يَجِدُ [11] لِغَيْرِهِ ، حَتَّى أَنَّهُ إِذَا سَمِعَ مَحْبُوبًا لَهُ - مِنْ أَقَارِبِهِ وَأَصْدِقَائِهِ
[12] - يَسُبُّ الرَّسُولَ ، هَانَ عَلَيْهِ عَدَاوَتُهُ وَمُهَاجَرَتُهُ ، بَلْ وَقَتْلُهُ لِحُبِّ الرَّسُولِ ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُؤْمِنًا .
قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=22لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ ) [ سُورَةُ الْمُجَادَلَةِ : 22 ] ، [ بَلْ قَدْ ] .
[ ص: 402 ] قَالَ تَعَالَى
[13] : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=24قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ) [ سُورَةُ التَّوْبَةِ : 24 ] ، فَتَوعَّدَ مَنْ كَانَ الْأَهْلُ وَالْمَالُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِهِ .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=692409ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ [14] حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ : مَنْ كَانَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا ، وَمَنْ كَانَ يُحِبُّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ ، وَمَنْ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ "
[15] .
فَوُجُودُ حَلَاوَةِ الْإِيمَانِ فِي الْقَلْبِ لَا تَكُونُ مِنْ مَحَبَّةِ الْعِوَضِ الَّذِي لَمْ يَحْصُلْ بَعْدُ ، بَلِ الْفَاعِلُ الَّذِي لَا يَعْمَلُ إِلَّا لِلْكِرَاءِ لَا يَجِدُ حَالَ الْعَمَلِ إِلَّا التَّعَبَ وَالْمَشَقَّةَ وَمَا يُؤْلِمُهُ ، فَلَوْ كَانَ لَا مَعْنَى لِمَحَبَّةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَّا مَحَبَّةَ
[ ص: 403 ] مَا سَيَصِيرُ إِلَيْهِ الْعَبْدُ مِنَ الْأَجْرِ ، لَمْ يَكُنْ هُنَا حَلَاوَةُ إِيمَانٍ يَجِدُهَا الْعَبْدُ فِي قَلْبِهِ وَهُوَ فِي دَارِ التَّكْلِيفِ وَالِامْتِحَانِ ، وَهَذَا خِلَافُ الشَّرْعِ وَخِلَافُ الْفِطْرَةِ الَّتِي فَطَرَ اللَّهُ عَلَيْهَا قُلُوبَ عِبَادِهِ .
فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=651296كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ "
[16] وَفِي صَحِيحِ
nindex.php?page=showalam&ids=17080مُسْلِمٍ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=885964يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى : خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ ، فَاجْتَالَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا "
[17] .