الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  [ ص: 523 ] وقد ثبت عنه في الصحيحين أنه قال : " لا [1] أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة " [2] ، فكيف يسوغ للأمة أن تعدل عما علمته من سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما يحكى عن فاطمة في كونها طلبت الميراث ، تظن أنها ترث [3] .

                  ( فصل )

                  وأما تسميته بخليفة رسول الله   ; فإن المسلمين سموه بذلك ، فإن كان الخليفة هو المستخلف ، كما ادعاه هذا ، كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد استخلفه ، كما يقول ذلك من يقول من أهل السنة ، وإن كان [ ص: 524 ] الخليفة هو الذي خلف غيره - وإن كان لم يستخلفه ذلك الغير كما يقوله الجمهور - لم يحتج في هذا الاسم إلى الاستخلاف .

                  [ والاستعمال الموجود في الكتاب والسنة يدل على أن هذا الاسم يتناول كل من خلف غيره : سواء استخلفه ] [4] أو لم يستخلفه ، كقوله تعالى : ( ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون ) [ سورة يونس : 14 ] ، وقوله [ تعالى : ( وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ) الآية [ سورة الأنعام : 165 ] ، وقال : ] [5] ( ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون ) [ سورة الزخرف : 60 ] ، وقوله : ( واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح ) [ سورة الأعراف : 69 ] ، وفي القصة الأخرى : ( خلفاء من بعد عاد ) [ سورة الأعراف : 74 ] ( وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي ) [ سورة الأعراف : 142 ] فهذا استخلاف .

                  وقال تعالى : ( وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر ) [ سورة الفرقان : 62 ] ، وقال : ( إن في اختلاف الليل والنهار ) [ سورة يونس : 6 ] أي : هذا يخلف هذا ، وهذا يخلف هذا ، فهما يتعاقبان ، وقال موسى : ( عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون ) [ ص: 525 ] [ سورة الأعراف : 129 ] ، وقال تعالى : ( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم ) [ سورة النور : 55 ] ، وقال للملائكة : ( إني جاعل في الأرض خليفة ) [ سورة البقرة : 30 ] ، وقال : ( ياداود إنا جعلناك خليفة في الأرض ) [ سورة ص : 26 ] .

                  فغالب هذه المواضع ليكون الثاني خليفة عن الأول ، وإن كان الأول لم يستخلفه .

                  وسمي الخليفة خليفة ; لأنه يخلف من قبله ، والله تعالى جعله يخلفه ، كما جعل الليل يخلف النهار ، والنهار يخلف الليل ، ليس المراد أنه خليفة عن الله ، كما ظنه بعض الناس ، كما قد بسطناه في موضع آخر .

                  والناس يسمون ولاة أمور المسلمين الخلفاء . وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي " [6] .

                  ومعلوم أن عثمان لم يستخلف عليا ، وعمر لم يستخلف واحدا معينا ، وكان يقول : " إن أستخلف فإن أبا بكر استخلف ، وإن لم أستخلف فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يستخلف " .

                  وكان مع هذا يقول لأبي بكر : يا خليفة رسول الله .

                  وكذلك خلفاء بني أمية وبني العباس ، كثير منهم لم يستخلفه من قبله . فعلم أن الاسم عام فيمن خلف غيره .

                  [ ص: 526 ] وفي الحديث - [ إن صح ] - [7] : " وددت أني رأيت " أو قال : " رحمة الله على خلفائي " . قالوا : ومن خلفاؤك يا رسول الله ؟ قال : " الذين يحيون سنتي ، ويعلمونها الناس " [8] .

                  وهذا إن صح من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو حجة في المسألة ، وإن لم يكن من قوله فهو يدل على أن الذي وضعه كان من عادتهم استعمال لفظ " الخليفة " فيمن خلف غيره وإن لم يستخلفه ، فإذا قام مقامه وسد مسده في بعض الأمور فهو خليفة عنه في ذلك الأمر .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية