الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  فصل [1]

                  قال الرافضي [2] : " ولما وعظت فاطمة [3] . أبا بكر في فدك ، كتب لها كتابا بها [4] ، وردها عليها ، فخرجت من عنده ، [ ص: 31 ] فلقيها [5] عمر بن الخطاب فحرق [6] الكتاب ، فدعت عليه بما فعله أبو لؤلؤة به ، وعطل حدود [7] الله فلم يحد المغيرة بن شعبة ، وكان يعطي أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - من بيت المال أكثر مما ينبغي ، وكان [8] . يعطي عائشة وحفصة في كل سنة عشرة آلاف درهم ، وغير حكم الله في المنفيين [9] ، وكان قليل المعرفة في الأحكام " .

                  والجواب : أن هذا من الكذب الذي لا يستريب [10] فيه عالم ، ولم يذكر هذا أحد من أهل العلم بالحديث ، ولا يعرف له إسناد ، وأبو بكر لم يكتب فدكا قط لأحد لا لفاطمة ، ولا غيرها  [11] ، ولا دعت فاطمة على عمر .

                  وما فعله أبو لؤلؤة كرامة في حق عمر - رضي الله عنه - وهو أعظم مما فعله ابن ملجم بعلي - رضي الله عنه ، وما فعله قتلة الحسين - رضي الله عنه - به . فإن أبا لؤلؤة كافر قتل عمر كما يقتل الكافر المؤمن ، وهذه الشهادة أعظم من شهادة من يقتله مسلم  ؛ فإن قتيل الكافر أعظم درجة من قتيل المسلمين [12] ، وقتل أبي لؤلؤة لعمر كان بعد موت فاطمة بمدة [ ص: 32 ] خلافة أبي بكر وعمر إلا ستة أشهر ، فمن أين يعرف [13] أن قتله كان بسبب دعاء حصل في تلك المدة .

                  والداعي إذا دعا على مسلم بأن يقتله كافر ، كان ذلك دعاء [14] له لا عليه ، كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعو لأصحابه بنحو ذلك ، كقوله : " يغفر الله لفلان " فيقولون : لو أمتعتنا به ! [ وكان ] [15] . إذا دعا لأحد بذلك استشهد

                  [16] ولو قال قائل : إن عليا ظلم أهل صفين والخوارج حتى دعوا عليه بما فعله ابن ملجم ، لم يكن هذا أبعد عن المعقول من هذا ، وكذلك لو قال : إن آل [ سفيان بن ] حرب [17] دعوا على الحسين بما فعل به .

                  [ ص: 33 ] وذلك أن عمر لم يكن له غرض في فدك ؛ [ لم ] [18] يأخذها لنفسه ولا لأحد من أقاربه وأصدقائه ، ولا كان له غرض في حرمان [ أهل ] [19] . بيت النبي - صلى الله عليه وسلم ، بل كان يقدمهم في العطاء على جميع الناس ، ويفضلهم في العطاء على جميع الناس ، حتى أنه لما وضع الديوان للعطاء ، وكتب أسماء الناس ، قالوا : نبدأ بك ؟ قال : لا ابدأوا بأقارب رسول الله - صلى الله عليه وسلم ، وضعوا عمر حيث وضعه الله ، فبدأ ببني هاشم ، وضم إليهم بني المطلب ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد ، إنهم لم يفارقونا في جاهلية ولا إسلام   " [20] فقدم العباس وعليا والحسن والحسين ، وفرض لهم أكثر مما فرض لنظرائهم من سائر القبائل ، وفضل أسامة بن زيد على ابنه عبد الله في العطاء ، فغضب ابنه وقال : تفضل علي أسامة ؟ قال : فإنه كان أحب إلى رسول الله منك ، وكان أبوه أحب إلى [ رسول الله ] من أبيك [21] .

                  وهذا الذي ذكرناه من تقديمه بني هاشم وتفضيله لهم أمر مشهور عند جميع العلماء بالسير ، لم يختلف فيه اثنان ، فمن تكون هذه مراعاته لأقارب الرسول وعترته ، أيظلم أقرب الناس إليه ، وسيدة نساء أهل الجنة وهي مصابة [ به ] [22] في يسير من المال ، وهو يعطي أولادها أضعاف [ ص: 34 ] ذلك المال ، ويعطي من هو أبعد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - منها ويعطي عليا ؟ ! .

                  ثم العادة الجارية بأن طلاب الملك والرياسة لا يتعرضون للنساء ، بل يكرمونهن لأنهن لا يصلحن للملك ، فكيف يجزل [23] العطاء للرجال ، والمرأة يحرمها من حقها ، لا لغرض أصلا لا ديني ولا دنيوي ؟ !

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية