وأما قوله : " وكان يؤثر أهله بالأموال الكثيرة من بيت المال ، حتى أنه دفع إلى أربعة نفر من قريش  ، زوجهم بناته ، أربعمائة ألف دينار [1] ، ودفع إلى  مروان  ألف ألف دينار " . 
فالجواب : [ أولا ] [2] أن يقال : أين النقل الثابت بهذا ؟ نعم كان يعطي أقاربه عطاء كثيرا ، ويعطي غير أقاربه أيضا  ، وكان محسنا إلى جميع المسلمين . وأما هذا القدر الكثير فيحتاج إلى نقل ثابت [3]  . 
 [ ص: 250 ] ثم يقال ثانيا : هذا من الكذب البين ، فإنه لا  عثمان  ولا غيره من الخلفاء الراشدين أعطوا أحدا ما يقارب هذا المبلغ . ومن المعلوم أن  معاوية  كان يعطي [4] من يتألفه أكثر من  عثمان   . ومع هذا فغاية ما أعطى الحسن بن علي  مائة ألف أو ثلاثمائة ألف [ درهم ] [5]  . وذكروا أنه لم يعط أحدا قدر هذا قط . 
نعم كان  عثمان  يعطي بعض أقاربه ما يعطيهم من العطاء الذي أنكر عليه ، وقد تقدم تأويله في ذلك ، والجواب العام يأتي على ذلك ، فإنه كان له تأويلان في إعطائهم ، كلاهما مذهب طائفة من الفقهاء : أحدهما : أنه ما أطعم الله لنبي طعمة إلا كانت طعمة لمن يتولى الأمر بعده ، وهذا مذهب طائفة من الفقهاء ، ورووا في ذلك حديثا معروفا مرفوعا [6] ، وليس هذا موضع بسط الكلام في جزئيات المسائل . 
وقالوا : [ إن ] [7] ذوي القربي في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - ذوو قرباه ، وبعد موته هم ذوو قربى من يتولى الأمر بعده . وقالوا : إن  أبا بكر   وعمر  لم يكن لهما [8] أقارب كما كان  لعثمان  ، فإن بني عبد شمس  من أكبر قبائل قريش  ، ولم يكن من يوازيهم إلا بنو مخزوم   . والإنسان مأمور بصلة رحمه من ماله ، فإذا اعتقدوا أن ولي الأمر يصله من مال بيت المال مما جعله الله لذوي القربى ، استحقوا بمثل هذا أن يوصلوا من  [ ص: 251 ] بيت المال ما يستحقونه ، لكونهم أولي قربى الإمام . وذلك أن نصر ولي الأمر والذب عنه متعين ، وأقاربه ينصرونه ويذبون عنه ما لا يفعله غيرهم . 
وبالجملة ، فلا بد لكل ذوي أمر [9] من أقوام يأتمنهم على نفسه ، ويدفعون عنه من يريد ضرره . فإن لم يكن الناس مع إمامهم كما كانوا مع  أبي بكر   وعمر  ، احتاج الأمر إلى بطانة يطمئن إليهم ، وهم لا بد لهم من كفاية . فهذا أحد التأويلين . 
والتأويل الثاني : أنه كان يعمل في المال . وقد قال الله تعالى : ( والعاملين عليها   ) [ سورة التوبة : 60 ] . والعامل على الصدقة الغني  له [10] أن يأخذ بعمالته باتفاق المسلمين . 
والعامل في مال اليتيم قد قال الله تعالى فيه : ( ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف   ) [ سورة النساء : 6 ] . وهل الأمر للغني بالاستعفاف أمر إيجاب أو أمر استحباب ؟ على قولين . 
( 3 وولي بيت المال وناظر الوقف هل هو كعامل الصدقة 3 ) [11]  ( * أو كولي اليتيم ؟ على قولين . وإذا جعل ولي الأمر كعامل الصدقة استحق مع الغنى * ) [12]  . وإذا جعل كولي اليتيم [13] ففيه القولان . فهذه ثلاثة أقوال ،  وعثمان  على قولين : كان له الأخذ مع الغنى . وهذا مذهب الفقهاء ، ليست كأغراض الملوك التي لم يوافق عليها أحد من أهل العلم . 
 [ ص: 252 ] ومعلوم أن هذه التأويلات إن كانت مطابقة فلا كلام ، وإن كانت مرجوحة [14] فالتأويلات في الدماء التي جرت من علي ليست بأوجه منها . والاحتجاج لهذه الأقوال أقوى [15] من الاحتجاج لقول من رأى القتال . 
				
						
						
