وأما قوله [1]  : " إنه لما حكم ضرب  ابن مسعود  حتى مات " . 
فهذا كذب باتفاق أهل العلم ، فإنه لما ولي أقر  ابن مسعود  على ما كان عليه من الكوفة  ، إلى أن جرى من  ابن مسعود   [ ما جرى . وما مات ابن مسعود ] [2] من ضرب عثمان أصلا . 
وفي الجملة ، فإذا قيل : إن  عثمان  ضرب  ابن مسعود  أو  عمارا   ، فهذا لا  [ ص: 256 ] يقدح في أحد منهم ؛ فإنا نشهد أن الثلاثة في الجنة ، وأنهم من أكابر أولياء الله المتقين . وقد قدمنا أن ولي الله قد يصدر منه [3] ما يستحق عليه العقوبة الشرعية ، فكيف بالتعزير ؟ [4] 
وقد ضرب  عمر بن الخطاب   أبي بن كعب  بالدرة لما رأى الناس يمشون خلفه . فقال : ما هذا يا أمير المؤمنين ؟ قال : هذا ذلة للتابع وفتنة للمتبوع  . 
فإن كان  عثمان  أدب هؤلاء ، فإما أن يكون  عثمان  مصيبا في تعزيرهم لاستحقاقهم ذلك ، أو يكون [5] ذلك الذي عزروا عليه تابوا منه ، أو كفر عنهم بالتعزير وغيره من المصائب ، أو بحسناتهم [6] العظيمة ، أو بغير ذلك . 
وإما أن يقال : كانوا مظلومين مطلقا ، فالقول في  عثمان  كالقول فيهم وزيادة ، فإنه أفضل منهم ، وأحق بالمغفرة والرحمة . 
وقد يكون الإمام مجتهدا في العقوبة مثابا عليها ، وأولئك مجتهدون فيما فعلوه لا يأثمون به ، بل يثابون عليه لاجتهادهم . مثل شهادة  أبي بكرة  على  المغيرة  ، فإن أبا بكرة  رجل صالح من خيار المسلمين ، وقد كان محتسبا في شهادته معتقدا أنه يثاب على ذلك ،  وعمر  أيضا محتسب في إقامة الحد مثاب على ذلك . 
 [ ص: 257 ] فلا يمتنع أن يكون ما جرى من  عثمان  في تأديب  ابن مسعود   [  وعمار   ] [7] من هذا الباب . 
وإذا كان المقتتلون قد يكون كل منهم مجتهدا مغفورا له خطؤه فالمختصمون أولى بذلك  [8]  . 
وإما أن يقال : كان مجتهدا ، وكانوا مجتهدين . فمثل هذا [9] يقع كثيرا : يفعل الرجل شيئا باجتهاده ، ويرى ولي الأمر أن مصلحة المسلمين لا تتم إلا بعقوبته ، كما أنها لا تتم إلا بعقوبة المتعدي وإن تاب بعد رفعه [10] إلى الإمام . 
فالزاني والسارق والشارب إذا تابوا بعد الرفع إلى الإمام وثبوت الحد عليهم ، لم يسقط الحد عنهم  [11] بالتوبة ، بل يعاقبون مع كونهم بالتوبة مستحقين للجنة [12] ، ويكون الحد مما يثابون عليه ، ويؤجرون عليه ، ويكفر الله به ما يحتاج إلى التكفير . 
ولو أن رجلا قتل من اعتقده مستحقا لقتله قصاصا ، أو أخذ مالا يعتقد أنه له في الباطن ، ثم ادعى أهل المقتول ، وأهل المال بحقهم عند ولي الأمر ، حكم لهم به ، وعاقب من امتنع من تسليم المحكوم به إليهم ، وإن كان متأولا فيما فعله ، بل بريئا في الباطن . 
 [ ص: 258 ] وأكثر الفقهاء يحدون من شرب النبيذ المتنازع  [13] فيه ، وإن كان متأولا . وكذلك يأمرون بقتال الباغي المتأول لدفع بغيه ، وإن كانوا مع ذلك لا يفسقونه لتأويله . 
وقد ثبت في الصحيح أن  عمار بن ياسر  لما أرسله  علي  إلى الكوفة  هو  والحسن  ؛ ليعينوا على  عائشة  [14] ، قال  عمار بن ياسر   : إنا لنعلم أنها زوجة نبيكم في الدنيا والآخرة ، ولكن الله ابتلاكم بها لينظر : إياه تطيعون أم إياها ؟ [15] 
فقد شهد لها  عمار  بأنها من أهل الجنة ، وزوجة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الآخرة ، ومع هذا دعا الناس إلى دفعها بما يمكن من قتال وغيره . 
فإذا كان  عمار  يشهد لها بالجنة ويقاتلها ، فكيف لا يشهد له  عثمان  بالجنة ويضربه ؟ 
وغاية ما [ يقال : إن ما ] وقع كان هذا وهذا [ وهذا ] مذنبين فيه [16]  . وقد قدمنا القاعدة الكلية أن القوم مشهود لهم بالجنة وإن كان لهم ذنوب   . 
				
						
						
