الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  الوجه الثالث : أن الذي وقع في مرضه كان من أهون الأشياء وأبينها ، وقد ثبت في الصحيح أنه قال لعائشة في مرضه : " ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب لأبي بكر كتابا لا يختلف عليه الناس من بعدي " . ثم قال : " يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر " [1] فلما كان يوم الخميس هم أن يكتب كتابا ، فقال عمر : " ماله أهجر ؟ [2] " فشك عمر هل هذا القول من هجر الحمى أو هو مما يقول على عادته فخاف عمر أن يكون من هجر الحمى ، أو هذا مما خفي على عمر كما خفي عليه موت النبي - صلى الله عليه وسلم - بل أنكره ، ثم قال بعضهم هاتوا كتابا ، وقال بعضهم : لا تأتوا بكتاب . فرأى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الكتاب في هذا الوقت لم يبق فيه فائدة ، لأنهم يشكون : هل أملاه مع تغيره بالمرض ؟ أم مع سلامته من ذلك ؟ فلا يرفع النزاع فتركه .

                  ولم تكن كتابة الكتاب مما أوجبه الله عليه أن يكتبه أو يبلغه في ذلك [ ص: 316 ] الوقت ، إذ لو كان كذلك لما ترك - صلى الله عليه وسلم - ما أمره الله به ، لكن ذلك مما رآه مصلحة لدفع النزاع في خلافة أبي بكر ، ورأى أن الخلاف لا بد أن يقع . وقد سأل ربه لأمته ثلاثا ، فأعطاه اثنتين ومنعه واحدة . سأله أن لا يهلكهم بسنة عامة فأعطاه إياها ، وسأله أن لا يسلط عليهم عدوا من غيرهم فأعطاه إياها ، و [3] سأله أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعه إياها [4] .

                  وهذا ثبت في الصحيح . وقال ابن عباس : " الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين أن يكتب الكتاب " [5] .

                  فإنها رزية ، أي مصيبة في حق الذين شكوا في خلافة أبي بكر - رضي الله عنه - وطعنوا فيها .

                  وابن عباس قال ذلك لما ظهر أهل الأهواء من الخوارج والروافض ونحوهم . وإلا فابن عباس كان يفتي بما في كتاب الله ، فإن لم يجد في كتاب الله فبما في سنة رسول الله ، فإن لم يجد في سنة رسول الله - صلى [ ص: 317 ] الله عليه وسلم - فبما أفتى أبو بكر وعمر . وهذا ثابت من حديث ابن عيينة عن عبد الله بن أبي يزيد عن ابن عباس .

                  ومن عرف حال ابن عباس علم أنه كان يفضل أبا بكر وعمر على علي - رضي الله عنه - .

                  ثم إن النبي - صلى الله عليه وسلم - ترك كتابة الكتاب باختياره ، فلم يكن في ذلك نزاع ، ولو استمر على إرادة الكتاب ما قدر أحد أن يمنعه .

                  ومثل هذا النزاع قد كان يقع في صحته ما هو أعظم منه . والذي وقع بين أهل قباء وغيرهم كان أعظم من هذا بكثير ، حتى أنزل فيه : ( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما ) [ سورة الحجرات : 9 ] ، لكن روي أنه كان بينهم قتال بالجريد والنعال [6] .

                  ومن جهل الرافضة أنهم يزعمون أن ذلك الكتاب كان كتابه بخلافة علي ، وهذا ليس في القصة ما يدل عليه بوجه من الوجوه . ولا [ في ] [ ص: 318 ] شيء [7] من الحديث المعروف عند أهل النقل أنه جعل عليا خليفة . كما في الأحاديث الصحيحة ما يدل على خلافة أبي بكر . ثم يدعون مع هذا أنه كان [8] قد نص على خلافة علي نصا جليا قاطعا للعذر ، فإن كان قد فعل ذلك فقد أغنى عن الكتاب ، وإن كان الذين سمعوا ذلك لا يطيعونه فهم أيضا لا يطيعون الكتاب ، فأي فائدة لهم في الكتاب لو كان كما زعموا ؟ .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية