وقوله [1]  : " الخلاف [2] الخامس : في فدك والتوارث   . رووا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : " نحن معاشر [3] الأنبياء لا نورث ، ما تركناه صدقة [4]  " . 
فيقال : هذا أيضا اختلاف في مسألة شرعية ، وقد زال الخلاف فيها والخلاف في هذه دون الخلاف في ميراث الإخوة مع الجد [5] ، وميراث الجدة مع ابنها ، وحجب الأم الأخوين [6] ، وجعل الجد مع الأم كالأب ، وأمثال ذلك من مسائل الفرائض التي تنازعوا فيها . 
فالخلاف في هذا أعظم لوجوه : أحدها : أنهم تنازعوا في ذلك ، ثم  [ ص: 346 ] لم يجتمعوا على قول واحد ، كما اجتمعوا على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يورث .  
الثاني : أنهم لم يرو لهم من النصوص الصريحة في هذه المسائل ما روي لهم في ميراث النبي - صلى الله عليه وسلم - . 
الثالث : الخلاف هنا في قصة واحدة لا يتعدد ، والنزاع في هذه المسائل من جنس متعدد ، وعامة النزاع في تلك هي [ نزاع ] في [7] قليل من المال : هل يختص به ناس معينون ؟ . 
وأولئك القوم قد أعطاهم  أبو بكر   وعمر  من مال الله ، بقدر ما خلفه النبي - صلى الله عليه وسلم - أضعافا مضاعفة . ولو قدر أنها كانت ميراثا ، مع أن هذا باطل فإنما أخذ منهم قرية ليست كبيرة ، لم يأخذ منهم مدينة ولا قرية عظيمة . 
وقد تنازع العلماء في مسائل الفرائض وغيرها ، ويكون النزاع في مواريث الهاشميين وغيرهم من أضعاف أموال فدك ، ولا ينسب المتنازعون فيها إلى ظلم ، إذا كانوا قائلين باجتهادهم . 
فلو قدر أن الخلفاء اجتهدوا ، فأعطوا الميراث من لا يستحقه ، كان أضعاف هذا يقع من العلماء المجتهدين ، الذين هم دون الأئمة ، ولا يقدح ذلك في دينهم ، وإن قدر أنهم مخطئون في الباطن لأنهم تكلموا باجتهادهم ، فكيف بالخلفاء الراشدين المهديين - رضي الله عنهم - أجمعين . 
 [ ص: 347 ] وإنما يعظم القول في مثل هذه الأمور أهل الجهل والهوى ، الذين لهم غرض في فتح باب الشر على الصحابة بالكذب والبهتان . 
وقد تولى  علي  بعد ذلك ، وصار فدك وغيرها تحت حكمه ، ولم يعطها لأولاد  فاطمة  ، ولا [ أخذ ] [8] من زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولا ولد  العباس  شيئا من ميراثه . 
فلو كان ذلك ظلما وقدر على إزالته ، لكان هذا أهون عليه من قتال  معاوية  وجيوشه . أفتراه يقاتل  معاوية  ، مع ما جرى في ذلك من الشر العظيم ، ولا يعطي هؤلاء قليلا من المال وأمره أهون بكثير ؟ . 
				
						
						
