[ ص: 364 ] وقول هذا الرافضي : " انظر بعين الإنصاف إلى كلام هذا الرجل [1] ، هل خرج موجب الفتنة عن المشايخ أو تعداهم ؟ " . 
فالجواب أن يقال : أما الفتنة فإنما ظهرت في الإسلام من الشيعة   ، فإنهم أساس كل فتنة وشر ، وهم قطب رحى الفتن فإن أول فتنة كانت في الإسلام قتل  عثمان   . 
وقد روى  الإمام أحمد  في مسنده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " ثلاث من نجا منهن فقد نجا : موتي ، وقتل خليفة مضطهد بغير حق ، والدجال  " [2]  . 
ومن [3] استقرأ أخبار العالم في جميع الفرق تبين له أنه لم يكن قط طائفة أعظم اتفاقا على الهدى والرشد ، وأبعد عن الفتنة والتفرق والاختلاف من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، الذين هم خير الخلق بشهادة الله لهم بذلك ، إذ يقول تعالى : ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله   ) [ سورة آل عمران : 110 ] . 
كما لم يكن في الأمم أعظم اجتماعا على الهدى ، وأبعد عن التفرق والاختلاف ، من هذه الأمة ، لأنهم أكمل اعتصاما بحبل الله ، الذي هو كتابه المنزل ، وما جاء به من نبيه المرسل . وكل من كان أقرب إلى الاعتصام  [ ص: 365 ] بحبل الله ، وهو اتباع الكتاب والسنة ، كان أولى بالهدى والاجتماع والرشد والصلاح وأبعد عن الضلال والافتراق والفتنة . 
واعتبر ذلك بالأمم ، فأهل الكتاب أكثر اتفاقا وعلما وخيرا من الخارجين عن الكتب ، والمسلمون أكثر اتفاقا وهدى ورحمة وخيرا من اليهود  والنصارى  ، فإن أهل الكتابين قبلنا تفرقوا وبدلوا ما جاءت به الرسل ، وأظهروا الباطل ، وعادوا الحق وأهله . 
وإنه وإن كان يوجد في أمتنا نظير ما يوجد في الأمم قبلنا ، كما ثبت في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة ، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه " قالوا : يا رسول الله ، اليهود  والنصارى  ؟ قال : " فمن الناس ؟  " [4]  . 
وفي الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " لتأخذن أمتي مأخذ الأمم قبلها شبرا بشبر وذراعا بذراع " . قالوا : فارس  والروم  ؟ قال : " فمن الناس إلا أولئك ؟  " [5]  . 
لكن أمتنا لا تزال فيها طائفة ظاهرة على الحق ، لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى تقوم الساعة . ولهذا لا يسلط الله عليهم عدوا من  [ ص: 366 ] غيرهم فيجتاحهم ، كما ثبت هذا وهذا في الأحاديث الصحيحة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر أنه : " لا تزال طائفة من أمته ظاهرة على الحق لا يضرهم من خالفهم إلى يوم القيامة  " [6]  . وأخبر أنه : " سأل ربه أن لا يسلط عليهم عدوا من غيرهم فأعطاه [7] ذلك ، وسأله أن لا يهلكهم بسنة عامة فأعطاه [8] ، ذلك وسأله أن لا يجعل بأسهم بينهم شديدا فمنعه ذلك  " [9]  . 
ومن قبلنا كان الحق [10] يغلب فيهم حتى لا تقوم به طائفة ظاهرة منصورة . ولهذا كان العدو يسلط عليهم فيجتاحهم ، كما سلط علىبني إسرائيل  ، وخرب بيت المقدس  مرتين ، فلم [11] يبق لهم ملك . 
ونحن - ولله الحمد - لم يزل لأمتنا سيف منصور يقاتلون على الحق ، فيكونون على الهدى ودين الحق ، الذي بعث الله به الرسول . فلهذا لم نزل ولا نزال . وأبعد الناس عن هذه الطائفة المهدية المنصورة هم الرافضة  ، لأنهم أجهل وأظلم طوائف أهل الأهواء المنتسبين إلى القبلة . 
وخيار هذه الأمة هم الصحابة ، فلم يكن في الأمة أعظم اجتماعا على الهدى ودين الحق ، ولا أبعد عن التفرق والاختلاف منهم .  وكل ما يذكر عنهم مما فيه نقص فهذا إذا قيس إلى ما يوجد في غيرهم من الأمة كان قليلا من كثير . وإذا قيس ما يوجد في الأمة إلى ما يوجد في سائر الأمم  [ ص: 367 ] كان قليلا من كثير . وإنما يغلط من يغلط أنه ينظر إلى السواد القليل في الثوب الأبيض ، ولا ينظر إلى الثوب الأسود الذي فيه بياض . وهذا من الجهل والظلم ، بل يوزن هؤلاء بنظرائهم ، فيظهر الفضل والرجحان . 
وأما ما يقترحه [12] كل أحد في نفسه مما لم يخلق ، فهذا لا اعتبار به . فهذا يقترح معصوما في الأئمة ، وهذا يقترح ما هو كالمعصوم وإن لم يسمه معصوما ، فيقترح في العالم والشيخ والأمير والملك ونحو ذلك ، مع كثرة علمه ودينه ومحاسنه ، وكثرة ما فعل الله على يديه من الخير ، يقترح مع ذلك أن لا يكون قد خفي عليه شيء ، ولا يخطئ في مسألة [13] ، وأن يخرج عن حد البشرية فلا يغضب ، بل كثير من هؤلاء يقترح فيهم [14] ما لا يقترح في الأنبياء . 
وقد أمر الله تعالى نوحا  ومحمدا  أن يقولا : ( لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك   ) [ سورة هود : 31 ] فيريد الجهال من المتبوع أن يكون عالما بكل ما يسئل عنه ، قادرا على كل ما يطلب منه ، غنيا عن الحاجات البشرية كالملائكة . 
وهذا الاقتراح من ولاة الأمر كاقتراح الخوارج  في عموم الأمة ، أن لا يكون لأحدهم ذنب ، ومن كان له ذنب كان عندهم كافرا مخلدا في النار . 
 [ ص: 368 ] وكل هذا باطل خلاف ما خلقه الله ، وخلاف ما شرعه الله . 
فاقتراح هؤلاء فيمن يوليه ، كاقتراح أولئك عليه فيمن يرسله ، وكاقتراح هؤلاء فيمن يرحمه ويغفر له . 
والبدع مشتقة من الكفر ، فما من قول مبتدع إلا وفيه  شعبة  من شعب الكفر . 
وكما أنه لم يكن في القرون أكمل من قرن الصحابة ، فليس في الطوائف بعدهم أكمل من أتباعهم . فكل من كان للحديث والسنة وآثار الصحابة أتبع كان أكمل ، وكانت تلك الطائفة أولى بالاجتماع والهدى والاعتصام بحبل الله ، وأبعد عن التفرق والاختلاف والفتنة . وكل من بعد عن ذلك كان أبعد عن الرحمة وأدخل في الفتنة . 
فليس الضلال والغي [15] في طائفة من طوائف الأمة أكثر منه [ في ] الرافضة   [16] ، كما أن الهدى والرشاد والرحمة ليس في طائفة من طوائف الأمة أكثر منه في أهل الحديث والسنة المحضة ، الذين لا ينتصرون إلا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فإنهم خاصته ، وهو إمامهم المطلق الذي لا يغضبون لقول غيرهم إلا إذا اتبع قوله ، ومقصودهم نصر الله ورسوله . 
وإذا [17] كان الصحابة ، ثم أهل الحديث والسنة المحضة ، أولى  [ ص: 369 ] بالهدى ودين الحق وأبعد [18] الطوائف عن الضلال والغي [19] ، فالرافضة  بالعكس . 
وقد تبين أن هذا الكلام الذي ذكره هذا الرجل [20] فيه من الباطل ما لا يخفى على عاقل ، ولا يحتج به إلا من هو جاهل ، وأن هذا الرجل كان له بالشيعة  إلمام واتصال ، وأنه دخل في هواهم [21] بما ذكره في هذا الكتاب ، مع أنه ليس من علماء النقل والآثار ، وإنما هو من جنس نقلة التواريخ التي لا يعتمد عليها أولو الأبصار . 
ومن كان علمه بالصحابة وأحوالهم من مثل هذا الكتاب [22] ، فقد خرج عن جملة أولي الألباب . ومن الذي يدع كتب النقل التي اتفق أهل العلم بالمنقولات على صحتها ، ويدع ما تواتر به النقل في كتب الحديث على بعضها [23] ، كالصحاح والسنن والمساند ، والمعجمات والأسماء والفضائل ، وكتب أخبار الصحابة وغير ذلك ، وكتب السير والمغازي ، وإن كانت دون ذلك ، وكتب التفسير والفقه ، وغير ذلك من الكتب التي من نظر فيها علم بالتواتر اليقيني [24] ضد [25] ما في النقل الباطل ، وعلم أن  [ ص: 370 ] الصحابة رضي الله عنهم كانوا أئمة الهدى ، ومصابيح الدجى ، وأن أصل كل [26] فتنة وبلية هم الشيعة  و [ من ] انضوى [27] إليهم ، وكثير من السيوف التي سلت في الإسلام إنما كانت من جهتهم ، وعلم أن أصلهم ومادتهم منافقون ، اختلقوا أكاذيب ، وابتدعوا آراء فاسدة ، ليفسدوا بها دين الإسلام ، ويستزلوا بها من ليس من أولي [28] الأحلام ، فسعوا في قتل  عثمان  ، وهو أول الفتن ثم انزووا إلى علي ، لا حبا فيه ولا في أهل البيت  ، لكن ليقيموا سوق الفتنة بين المسلمين . 
ثم هؤلاء الذين سعوا معه منهم من كفره بعد ذلك وقاتله ، كما فعلت الخوارج  ، وسيفهم أول سيف سل على الجماعة ، ومنهم من أظهر الطعن على [29] الخلفاء الثلاثة ، كما فعلت الرافضة  ، وبهم تسترت الزنادقة ، كالغالية من النصيرية وغيرهم ، ومن القرامطة الباطنية  والإسماعيلية  وغيرهم ، فهم منشأ كل فتنة ، والصحابة - رضي الله عنهم - منشأ كل علم وصلاح ، وهدى ورحمة في الإسلام . 
ولهذا تجد الشيعة  ينتصرون لأعداء الإسلام المرتدين ، كبني حنيفة أتباع مسيلمة الكذاب  ، ويقولون : إنهم كانوا مظلومين ، كما ذكر صاحب هذا الكتاب ، وينتصرون لأبي لؤلؤة الكافر المجوسي  ، ومنهم من يقول : اللهم ارض عن أبي لؤلؤة  واحشرني معه . ومنهم من يقول في بعض  [ ص: 371 ] ما يفعله من [30] محاربتهم : واثارات أبي لؤلؤة   ! كما يفعلونه في الصورة التي يقدرون فيها صورة  عمر  من الجبس أو غيره . 
وأبو لؤلؤة  كافر باتفاق أهل الإسلام ، كان مجوسيا من عباد النيران ، وكان مملوكا  للمغيرة بن شعبة  ، وكان يصنع الأرحاء [31] ، وعليه خراج للمغيرة  كل يوم أربعة دراهم ، وكان قد رأى ما عمله المسلمون بأهل الذمة ، وإذا رأى سبيهم يقدم إلى [32] المدينة  ، يبقى [33] في نفسه من ذلك . 
وقد روي أنه طلب من  عمر  أن يكلم مولاه في خراجه ، فتوقف  عمر  ، وكان من نيته أن يكلمه ، فقتل  عمر  بغضا في الإسلام وأهله ، وحبا للمجوس ، وانتقاما للكفار ، لما فعل بهم  عمر  حين فتح بلادهم ، وقتل رؤساءهم ، وقسم أموالهم . 
كما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك في الحديث الصحيح حيث يقول : " إذا هلك  كسرى  فلا  كسرى  بعده ، وإذا هلك قيصر  فلا قيصر  بعده . والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله  " [34]  وعمر  هو الذي أنفق كنوزهما ، وهذا الحديث الصحيح مما يدل على صحة  [ ص: 372 ] خلافته ، وأنه كان ينفق هذين الكنزين في سبيل الله ، الذي هو طاعته وطاعة رسوله ، وما يقرب إلى الله ، لم ينفق الأموال في أهواء النفوس المباحة ، فضلا عن المحرمة ، فهل ينتصر لأبي لؤلؤة  مع هذا إلا من هو أعظم الناس كفرا بالله ورسوله ، وبغضا في الإسلام ، ومفرط [35] في الجهل لا يعرف حال أبي لؤلؤة  ؟ . 
ودع ما يسمع وينقل عمن خلا ، فلينظر كل عاقل فيما يحدث في زمانه ، وما يقرب من زمانه من الفتن والشرور والفساد في الإسلام ، فإنه يجد معظم ذلك من قبل الرافضة  ، وتجدهم من أعظم الناس فتنا وشرا ، وأنهم لا يقعدون عما يمكنهم من الفتن والشر وإيقاع الفساد بين الأمة   . 
ونحن نعرف بالعيان والتواتر العام وما كان [36] في زماننا ، من حين خرج [37] جنكزخان  [38] ملك الترك الكفار ، وما جرى في الإسلام من الشر . 
فلا يشك عاقل أن استيلاء الكفار المشركين ، الذين لا يقرون بالشهادتين ولا بغيرها من المباني الخمس ، ولا يصومون شهر [39] رمضان ، ولا يحجون البيت العتيق ، ولا يؤمنون بالله ، ولا بملائكته ، ولا بكتبه ورسله واليوم الآخر . 
 [ ص: 373 ] وأعلم من فيهم وأدين مشرك يعبد الكواكب والأوثان وغايته أن يكون ساحرا أو كاهنا ، له رئي [40] من الجن ، وفيهم من الشرك والفواحش ما هم به شر من الكهان الذين يكونون في العرب . 
فلا يشك عاقل أن استيلاء مثل هؤلاء على بلاد الإسلام ، وعلى أقارب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بني هاشم  ، كذرية  العباس  وغيرهم ، بالقتل وسفك الدماء وسبي النساء واستحلال فروجهن ، وسبي الصبيان واستعبادهم ، وإخراجهم عن دين الله إلى الكفر ، وقتل أهل العلم والدين من أهل القرآن والصلاة ، وتعظيم بيوت الأصنام - التي يسمونها البذخانات [41] والبيع والكنائس - على المساجد ، ورفع المشركين وأهل الكتاب من النصارى  وغيرهم على المسلمين ، بحيث يكون المشركون [42] وأهل الكتاب أعظم عزا ، وأنفذ كلمة ، وأكثر حرمة من المسلمين ، إلى أمثال ذلك مما لا يشك عاقل أن هذا أضر على المسلمين من قتال بعضهم بعضا ، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا رأى ما جرى [43] على أمته من هذا ، كان كراهته [44] له ، وغضبه منه ، أعظم من كراهته [45] لاثنين مسلمين تقاتلا على الملك ، ولم يسب  [ ص: 374 ] أحدهما حريم الآخر ، ولا نفع [46] كافرا ، ولا أبطل شيئا من شرائع الإسلام المتواترة ، وشعائره الظاهرة . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					