الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  فإنه يعلم بصريح المعقول أن فاعل العالم إذا قيل : إنه علة تامة أزلية ، والعلة التامة تستلزم معلولها لزم أن لا يتخلف عنه في القدم شيء من المعلول ، فلا يحدث عنه شيء لا بواسطة ولا بغير واسطة [1] ، ويمتنع أن يصير علة لمفعول بعد مفعول من غير أن يقوم به ما يصير علة للثاني ، فيمتنع مع تماثل أحواله أن تختلف مفعولاته ويحدث منها شيء .

                  وهذا مما لا ينازع فيه عاقل تصوره [2] تصورا جيدا ، وحذاقهم معترفون بهذا ، كما يذكره ابن رشد الحفيد وأبو عبد الله الرازي [3] وغيرهما من أن صدور المتغيرات المختلفة عن الواحد البسيط مما تنكره العقول ، [ وكذلك إذ سمي موجبا بالذات ] [4] ، وكذلك إذا قيل : مؤثر تام التأثير في الأزل ، أو مرجح تام الترجيح في الأزل ، أو نحو ذلك ، وكذلك إذا قيل : هو قادر مختار يستلزم وجود مراده في الأزل ، فإنه إذا استلزم وجود مراده في الأزل لزم أن لا يحدث شيء من مراده ، فلا يحدث في العالم شيء ؛ إذ لا يحدث شيء إلا بإرادته ، فلو كانت إرادته أزلية مستلزمة لوجود مرادها معها في الأزل لزم أن لا يكون شيء من المرادات حادثا ، [ ص: 324 ] فلا يكون في العالم حادث وهو خلاف المشاهدة .

                  وهم لا يقولون به ولا [5] يقول عاقل : إنه علة تامة أزلية لجميع معلولاتها ، ولا موجب أزلي لجميع العالم حتى أشخاصه . ولا يقول أحد : إن جميع مراده مقارن له في الأزل ، بل يقولون إن أصول العالم كالأفلاك والعناصر هي الأزلية القديمة [6] بأعيانها ، وإن الحركات والمولدات قديمة النوع ، أو يقولون : إن مواد هذا العالم كالجواهر المفردة [7] أو الهيولى أو غير ذلك هي قديمة أزلية بأعيانها . وهذا كله باطل ؛ إذ كان قدم شيء من ذلك يستلزم أن يكون فاعله مستلزما له في الأزل ، سواء سمي موجبا له بذاته في الأزل ، أو علة تامة قديمة مستلزمة لمعلولها أو قيل : إنه فاعل بإرادته الأزلية [ المستلزمة ] [8] للمفعول المراد في الأزل .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية