فصل .
قال الرافضي : [1] " السادس : حديث [2] المؤاخاة . روى [ ص: 359 ] أنس [3] ، وآخى بين المهاجرين والأنصار ، وعلي [4] واقف يراه ويعرفه [5] ، ولم يؤاخ بينه وبين أحد ، فانصرف باكيا [6] ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ما فعل [7] أبو ، قالوا : انصرف باكي العين الحسن [8] ، [ قال : يا ، اذهب فائتني به ، فمضى إليه ، ودخل منزله باكي العين ] بلال [9] فقالت له : ما يبكيك فاطمة [10] ؟ قال : آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار ، ولم يؤاخ [11] بيني وبين أحد قالت : لا يخزيك [12] الله ، لعله إنما ادخرك [13] لنفسه ، فقال : يا بلال أجب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى فقال : ما يبكيك علي [14] يا أبا ؟ فأخبره ، فقال : إنما أدخرك الحسن [15] لنفسي ، ألا يسرك [ ص: 360 ] أن تكون أخا نبيك ؟ قال : بلى ، فأخذ بيده فأتى المنبر ، فقال : اللهم هذا [16] مني ، وأنا منه ، ألا إنه مني بمنزلة هارون من موسى ، ألا من كنت مولاه مولاه فعلي [17] ، فانصرف فاتبعه [18] ، فقال : بخ بخ يا عمر أبا الحسن [19] ، أصبحت مولاي ، ومولى كل مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لما كان يوم المباهلة [20] فالمؤاخاة [21] تدل على الأفضلية فيكون هو الإمام " .
والجواب أولا : المطالبة بتصحيح النقل ، فإنه لم يعز هذا الحديث إلى كتاب أصلا ، كما عادته يعزو ، وإن كان عادته يعزو إلى كتب لا تقوم بها الحجة ، وهنا أرسله إرسالا على عادة أسلافه شيوخ الرافضة يكذبون ويروون الكذب بلا إسناد ، وقد قال : الإسناد من الدين ، لولا الإسناد لقال من شاء ما شاء ، فإذا سئل : وقف وتحير ابن المبارك [22] .
الثاني : أن هذا الحديث موضوع عند أهل الحديث ، لا يرتاب أحد من أهل المعرفة بالحديث أنه موضوع [23] ، وواضعه جاهل كذب كذبا [ ص: 361 ] ظاهرا مكشوفا يعرف أنه كذب من له أدنى معرفة بالحديث ، كما سيأتي بيانه .
الثالث : أن أحاديث [24] المؤاخاة كلها موضوعة لعلي [25] ، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يؤاخ أحدا ، ولا آخى بين مهاجري ومهاجري ، ولا بين أبي بكر ، ولا بين أنصاري وأنصاري ، ولكن آخى بين وعمر المهاجرين والأنصار في أول قدومه المدينة [26] .
وأما المباهلة فكانت لما قدم وفد نجران سنة تسع ، أو عشر من الهجرة [27] .
الرابع : أن دلائل الكذب على هذا الحديث بينة منها : أنه قال : " لما كان يوم المباهلة وآخى بين المهاجرين والأنصار " ، والمباهلة كانت لما قدم وفد نجران النصارى ، وأنزل الله سورة آل عمران ، وكان ذلك في [ ص: 362 ] آخر الأمر سنة عشر أو سنة تسع لم يتقدم على ذلك باتفاق الناس ، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يباهل النصارى لكن دعاهم إلى المباهلة فاستنظروه حتى يشتوروا فلما اشتوروا ، قالوا : هو نبي ، وما باهل قوم نبيا إلا استؤصلوا فأقروا له بالجزية ، ولم يباهلوا ، وهم ، وقد اتفق الناس على أنه لم يكن في ذلك اليوم مؤاخاة . أول من أقر بالجزية من أهل الكتاب
الخامس : أن المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار كانت في السنة الأولى من الهجرة في دار بني النجار ، وبين المباهلة وذلك عدة سنين .
السادس : أنه كان [28] قد آخى بين المهاجرين والأنصار ، والنبي صلى الله عليه وسلم كلاهما من وعلي المهاجرين فلم يكن بينهم مؤاخاة ، بل آخى بين علي ، فعلم أنه لم يؤاخ وسهل بن حنيف ، وهذا مما عليا [29] يوافق ما في الصحيحين من أن المؤاخاة إنما كانت بين المهاجرين والأنصار لم تكن بين مهاجري ومهاجري [30] .
السابع : أن قوله : " " ، إنما قاله في غزوة أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى تبوك مرة واحدة لم يقل ذلك في غير ذلك المجلس أصلا باتفاق أهل العلم بالحديث .
وأما حديث الموالاة فالذين رووه [31] ذكروا أنه قاله بغدير خم مرة واحدة لم يتكرر في غير ذلك المجلس أصلا [32] .
[ ص: 363 ] الثامن : أنه قد تقدم الكلام على المؤاخاة ، وأن فيها عموما وإطلاقا لا يقتضي الأفضلية والإمامة ، وأن ما ثبت للصديق من الفضيلة لا يشركه فيه غيره كقوله : خليلا أبا بكر لو كنت متخذا خليلا من أهل الأرض لاتخذت [33] ، وإخباره : أن أبو بكر ، وشهادة الصحابة له أحب الرجال إليه [34] أنه أحبهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وغير ذلك مما يبين أن الاستدلال بما روى من المؤاخاة باطل نقلا ودلالة .
التاسع : أن من الناس من يظن أن المؤاخاة ، وقعت بين المهاجرين بعضهم مع بعض ; لأنه روي فيها أحاديث ، لكن الصواب المقطوع به أن هذا لم يكن ، وكل ما روي في ذلك فإنه باطل ، إما أن يكون من رواية من يتعمد الكذب ، وإما أن يكون أخطأ فيه ، ولهذا لم يخرج أهل الصحيح * شيئا من ذلك .
والذي في الصحيح إنما هو المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار ، ومعلوم أنه لو آخى بين المهاجرين بعضهم مع بعض ، وبين الأنصار بعضهم مع بعض لكان هذا مما تتوفر الهمم ، والدواعي على نقله ، ولكان يذكر في أحاديث [35] المؤاخاة ، ويذكر كثيرا فكيف ، وليس في هذا حديث صحيح ، ولا خرج أهل الصحيح * [36] من ذلك شيئا .
وهذه الأمور يعرفها من كان له خبرة بالأحاديث الصحيحة ، والسيرة [37] [ ص: 364 ] المتواترة ، وأحوال النبي صلى الله عليه وسلم ، وسبب المؤاخاة ، وفائدتها ، ومقصودها ، وأنهم كانوا يتوارثون بذلك فآخى النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار ، كما آخى بين سعد بن الربيع ، وبين وعبد الرحمن بن عوف سلمان الفارسي ليعقد الصلة بين وأبي الدرداء المهاجرين والأنصار حتى أنزل الله تعالى: ( وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ) ( سورة الأنفال : 75 ) ، وهي المحالفة التي أنزل الله فيها: ( والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم ) ( سورة النساء : 33 ) [38] .
وقد تنازع الفقهاء هل هي محكمة يورث بها عند عدم النسب ، أو لا يورث بها ؟ على قولين هما روايتان عن ، الأول : مذهب أحمد ، والثاني : مذهب أبي حنيفة ، مالك . والشافعي