[ ص: 360 ] وذلك [1] القول بحدوث هذا العالم هو قول أساطين الفلاسفة الذين كانوا قبل أرسطو  ، بل هم يذكرون أن أرسطو  أول من صرح بقدم الأفلاك  ، وأن المتقدمين قبله من الأساطين كانوا يقولون : إن هذا العالم محدث : إما بصورته فقط ، وإما بمادته وصورته ، وأكثرهم يقولون بتقدم [2] مادة هذا العالم على صورته   . 
وهذا [3] موافق لما أخبرت به الرسل [ صلوات الله عليهم ] [4] ، فإن الله أخبر أنه : خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء   [ سورة هود : 7 ] [5]  . 
وأخبر أنه : استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين   [ سورة فصلت : 11 ] . 
وقد ثبت [6] في صحيح  مسلم  عن  عبد الله بن عمرو بن العاص  عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة  ، وكان عرشه [7] على الماء " [8]  . 
 [ ص: 361 ] وقد ثبت في صحيح  البخاري  وغيره عن  عمران بن حصين   - رضي الله عنه - [9] عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " كان الله ولم يكن شيء قبله ، وكان عرشه على الماء ، وكتب في الذكر كل شيء ، وخلق السماوات والأرض  " ، وفي رواية : ثم خلق السماوات والأرض [10]  . والآثار متواترة عن الصحابة والتابعين بما يوافق القرآن والسنة من أن الله خلق السماوات من بخار الماء الذي سماه [ الله ] [11] دخانا   . 
وقد تكلم علماء المسلمين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم في أول هذه المخلوقات على قولين  حكاهما الحافظ أبو العلاء الهمداني  [12] وغيره . أحدهما : أنه هو العرش ، والثاني : أنه هو القلم . ورجحوا القول الأول لما دل عليه الكتاب والسنة أن الله تعالى لما قدر مقادير الخلائق بالقلم الذي أمره أن يكتب في اللوح كان عرشه على الماء ، فكان العرش مخلوقا قبل القلم . قالوا والآثار المروية أن : " أول ما خلق الله  [ ص: 362 ] القلم  " [13] ، معناها من هذا العالم . وقد أخبر الله أنه خلقه في ستة أيام ، فكان حين خلقه زمن يقدر به [14] خلقه ينفصل إلى أيام ، فعلم أن الزمان كان موجودا قبل أن يخلق الله الشمس والقمر  ، ويخلق في هذا العالم الليل والنهار . 
وفي الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في خطبته عام حجة الوداع : " إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض ، السنة اثنا عشر شهرا ، منها أربعة حرم : ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان [15]  " . وفي  [ ص: 363 ] الصحيح عن  عمر [ بن الخطاب ]  رضي الله عنه [16] قال : خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطبة فذكر بدء الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم وأهل النار منازلهم [17]  . 
وهكذا في التوراة [18]  [ ما يوافق ] [19] خبر الله [20] في القرآن ، وأن الأرض كانت مغمورة بالماء ، والهواء يهب [21] فوق الماء ، وأن في أول الأمر خلق الله السماوات والأرض ، وأنه خلق ذلك في أيام . ولهذا قال من قال من علماء أهل الكتاب : ما ذكره الله في التوراة يدل على أنه خلق هذا العالم من مادة أخرى ، وأنه خلق ذلك في زمان [22] قبل أن يخلق الشمس والقمر . 
وليس فيما أخبر [ الله تعالى ] به [23] في القرآن وغيره أنه خلق السماوات والأرض من غير مادة ، ولا أنه خلق الإنس أو الجن أو الملائكة [24] من غير مادة ، بل يخبر الله أنه خلق ذلك من مادة ، وإن كانت المادة مخلوقة من مادة أخرى ، كما خلق الإنس [25] من آدم  وخلق آدم  من طين ، وفي صحيح  [ ص: 364 ]  مسلم  عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " خلقت الملائكة من نور ، وخلقت الجان من مارج من نار [26] ، وخلق آدم مما وصف لكم  " [27]  . 
والمقصود هنا أن المنقول عن أساطين الفلاسفة القدماء لا يخالف ما أخبرت به الأنبياء من خلق هذا العالم من مادة  ، بل المنقول عنهم أن هذا العالم محدث كائن بعد أن لم يكن . 
وأما قولهم في تلك المادة : هل هي قديمة الأعيان ، أو محدثة بعد أن لم تكن ، أو محدثة من مادة أخرى بعد مادة ؟ قد تضطرب النقول عنهم في هذا الباب ، والله أعلم بحقيقة ما يقوله كل من هؤلاء ، فإنها أمة عربت كتبهم ، ونقلت من لسان إلى لسان ، وفي مثل ذلك قد يدخل من الغلط والكذب ما لا يعلم حقيقته . ولكن ما تواطأت به النقول عنهم يبقى [28] مثل المتواتر ، وليس لنا غرض معين [29] في معرفة قول كل واحد منهم ، بل : تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون   . [ سورة البقرة : 134 ، 141 ] . 
				
						
						
