لكن الذي لا ريب فيه أن [ هؤلاء ] [1] أصحاب التعاليم كأرسطو  وأتباعه كانوا مشركين يعبدون المخلوقات  ، ولا يعرفون النبوات ولا المعاد البدني ، وأن اليهود  والنصارى  خير منهم في الإلهيات والنبوات والمعاد . 
 [ ص: 365 ] وإذا عرف أن نفس فلسفتهم توجب عليهم أن لا يقولوا بقدم شيء من العالم ، علم أنهم مخالفون لصريح المعقول ، كما أنهم مخالفون لصحيح المنقول ، وأنهم في تبديل القواعد الصحيحة المعقولة من جنس اليهود  والنصارى  في تبديل ما جاءت به الرسل ، وهذا هو المقصود في هذا الباب . 
ثم إنه إذا قدر أنه [2] ليس عندهم من المعقول ما يعرفون به أحد الطرفين ، فيكفي في ذلك إخبار الرسل باتفاقهم عن خلق السماوات والأرض وحدوث هذا العالم ، والفلسفة الصحيحة المبنية على المعقولات المحضة توجب عليهم تصديق الرسل فيما أخبرت به [3] ، وتبين أنهم علموا ذلك بطريق يعجزون عنها ، وأنهم أعلم بالأمور الإلهية والمعاد وما يسعد النفوس [4] ويشقيها منهم ، وتدلهم على أن من اتبع الرسل كان سعيدا في الآخرة ، ومن كذبهم كان شقيا في الآخرة ، وأنه لو علم الرجل من الطبيعيات والرياضيات ما عسى أن يعلم وخرج عن دين الرسل كان شقيا  ، وأن من أطاع الله ورسوله بحسب طاقته كان سعيدا في الآخرة وإن لم يعلم شيئا من ذلك . 
ولكن [5] سلفهم أكثروا الكلام في ذلك ؛ لأنهم لم يكن عندهم من آثار الرسل ما يهتدون به إلى توحيد الله وعبادته وما ينفع في الآخرة ، وكان  [ ص: 366 ] الشرك مستحوذا عليهم بسبب السحر والأحوال الشيطانية ، وكانوا ينفقون أعمارهم في رصد الكواكب ليستعينوا بذلك على السحر والشرك ، وكذلك الأمور الطبيعية . وكان منتهى عقلهم أمورا عقلية كلية ، كالعلم بالوجود المطلق ( * وانقسامه إلى علة ومعلول وجوهر وعرض ، وتقسيم الجواهر ، ثم تقسيم الأعراض . وهذا هو عندهم الحكمة العليا والفلسفة الأولى ، ومنتهى ذلك العلم بالوجود المطلق * ) [6] الذي لا يوجد إلا في الأذهان دون الأعيان . 
ومن هنا دخل من سلك مسلكهم من المتصوفة المتفلسفة  كابن عربي  [7] وابن سبعين  [8] والتلمساني  [9] وغيرهم ، فكان منتهى معرفتهم  [ ص: 367 ] الوجود المطلق . ثم ظن من ظن منهم أن ذلك هو الوجود الواجب ، وفي ذلك [10] من الضلال ما قد بسط في غير هذا الموضع [11]  . 
وجعلوا غاية سعادة النفس أن تصير عالما معقولا [12] مطابقا للعالم الموجود ، وليس في ذلك إلا مجرد علوم مطلقة ، ليس فيها علم بموجود معين ، لا بالله ولا بالملائكة ولا بغير ذلك . وليس فيها محبة لله ولا عبادة لله [13] فليس فيها علم نافع ، ولا عمل صالح ، ولا ما ينجي النفوس من عذاب الله [14] فضلا على أن يوجب لها السعادة . وهذا مبسوط في غير هذا الموضع [15] ، وإنما جاء ذكره هنا بالعرض ؛ لننبه على أن من عدل عن طريق المرسلين فليس معه في خلافهم لا معقول صريح ، ولا منقول صحيح  ، وأن من قال بقدم العالم أو شيء منه ، فليس معه إلا مجرد الجهل والاعتقاد الذي لا دليل عليه  ، وهذا الخطاب كاف في هذا الباب ، وتفصيله مذكور في غير هذا الموضع . 
وقد سلك هذا المسلك غير واحد من أهل الملل المسلمين واليهود  
				
						
						
