الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  وإن قيل بأن المراد يجوز مقارنته للإرادة ويجوز تأخره عنها  ، فإنه على هذا التقدير يجوز حدوث جميع [1] العالم بإرادة قديمة أزلية من غير تجدد شيء ، كما تقول ذلك الكلابية ومن وافقهم من الأشعرية والكرامية والفقهاء المنسوبين إلى الأئمة الأربعة وغيرهم . وعلى هذا التقدير فإنه يجوز حدوث الحوادث بلا سبب حادث ، وترجيح أحد المتماثلين على الآخر بمجرد الإرادة القديمة ، وعلى هذا التقدير فإنه يبطل حجة القائلين بقدم العالم .

                  وهؤلاء إنما قالوا هذا لاعتقادهم بطلان التسلسل في الآثار وامتناع حوادث لا أول لها   . فإن كان ما قالوه حقا ، وأنه يمتنع حوادث لا أول لها ، لزم حينئذ حدوث العالم ، وامتنع القول بقدمه ؛ لأنه لا يخلو شيء منه عن مقارنة شيء من الحوادث . حتى العقول والنفوس عند من يقول بإثباتها ، فإنها عندهم لا بد أن تقارن الحوادث ، فإذا امتنع حوادث لا أول لها ، كان ما لم يسبق الحوادث بمنزلتها ، يمتنع قدمه كما يمتنع قدمها .

                  وإن كان ما قاله هؤلاء باطلا ، أمكن دوام الحوادث ، وعلى هذا التقدير فيجوز مقارنة المراد للإرادة [2] في الأزل ، ويمتنع حدوث شيء إلا بسبب حادث ، وحينئذ فيمتنع كون شيء [3] من العالم أزليا ، وإن جاز أن [ ص: 390 ] يكون نوع الحوادث دائما لم يزل ، فإن الأزل ليس هو عبارة عن شيء محدد ، بل ما من وقت يقدر إلا وقبله وقت آخر ، فلا يلزم من دوام النوع قدم شيء بعينه .

                  وإنما قيل : يمتنع قدم شيء بعينه ؛ لأنه إذا جاز أن يقارنها المراد في الأزل ، وجب أن يقارنها المراد ؛ لأن الإرادة التي يجوز مقارنة مرادها لها لا يتخلف عنها مرادها  [4] إلا لنقص في القدرة ، وإلا فإذا كانت القدرة تامة ، والإرادة التي يمكن مقارنة مرادها لها حاصلة ، لزم حصول المراد لوجود المقتضى التام للفعل ، إذ لو لم يلزم [5] مع كون المراد ممكنا ، لكان حصوله بعد ذلك يستلزم ترجيح أحد المتماثلين على الآخر بدون مرجح . وهو باطل على هذا التقدير .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية