وإن قيل بأن ، فإنه على هذا التقدير يجوز حدوث جميع المراد يجوز مقارنته للإرادة ويجوز تأخره عنها [1] العالم بإرادة قديمة أزلية من غير تجدد شيء ، كما تقول ذلك الكلابية ومن وافقهم من الأشعرية والكرامية والفقهاء المنسوبين إلى الأئمة الأربعة وغيرهم . وعلى هذا التقدير فإنه يجوز حدوث الحوادث بلا سبب حادث ، وترجيح أحد المتماثلين على الآخر بمجرد الإرادة القديمة ، وعلى هذا التقدير فإنه يبطل حجة القائلين بقدم العالم .
وهؤلاء إنما قالوا هذا لاعتقادهم بطلان . فإن كان ما قالوه حقا ، وأنه يمتنع حوادث لا أول لها ، لزم حينئذ حدوث العالم ، وامتنع القول بقدمه ؛ لأنه لا يخلو شيء منه عن مقارنة شيء من الحوادث . حتى العقول والنفوس عند من يقول بإثباتها ، فإنها عندهم لا بد أن تقارن الحوادث ، فإذا امتنع حوادث لا أول لها ، كان ما لم يسبق الحوادث بمنزلتها ، يمتنع قدمه كما يمتنع قدمها . التسلسل في الآثار وامتناع حوادث لا أول لها
وإن كان ما قاله هؤلاء باطلا ، أمكن دوام الحوادث ، وعلى هذا التقدير فيجوز مقارنة المراد للإرادة [2] في الأزل ، ويمتنع حدوث شيء إلا بسبب حادث ، وحينئذ فيمتنع كون شيء [3] من العالم أزليا ، وإن جاز أن [ ص: 390 ] يكون نوع الحوادث دائما لم يزل ، فإن الأزل ليس هو عبارة عن شيء محدد ، بل ما من وقت يقدر إلا وقبله وقت آخر ، فلا يلزم من دوام النوع قدم شيء بعينه .
وإنما قيل : يمتنع قدم شيء بعينه ؛ لأنه إذا جاز أن يقارنها المراد في الأزل ، وجب أن يقارنها المراد ؛ لأن الإرادة التي يجوز مقارنة مرادها لها لا يتخلف عنها مرادها [4] إلا لنقص في القدرة ، وإلا فإذا كانت القدرة تامة ، والإرادة التي يمكن مقارنة مرادها لها حاصلة ، لزم حصول المراد لوجود المقتضى التام للفعل ، إذ لو لم يلزم [5] مع كون المراد ممكنا ، لكان حصوله بعد ذلك يستلزم ترجيح أحد المتماثلين على الآخر بدون مرجح . وهو باطل على هذا التقدير .