وإن كانوا من
الصابئين فهم من
الصابئين [1] المشركين ، لا من
الصابئين الحنفاء الذين أثنى عليهم القرآن ، فإن أولئك يعبدون
[2] الكواكب ويبنون لها
[3] الهياكل ، ويتخذون فيها الأصنام ، وهذا دين
[ ص: 410 ] المشركين ، وهو دين
أهل مقدونية وغيرها من مدائن هؤلاء
nindex.php?page=treesubj&link=28839الفلاسفة الصابئة المشركين .
والإسكندر الذي وزر له
أرسطو هو
[4] الإسكندر بن فيلبس المقدوني الذي تؤرخ له
اليهود والنصارى ، وكان قبل
المسيح [ عليه السلام ]
[5] بثلاثمائة عام ، ليس هو ذا القرنين المذكور في القرآن ، فإن هذا كان متقدما عليه وهو من الحنفاء ، وذاك هو ووزيره [
أرسطو ]
[6] كفار يقولون بالسحر والشرك .
ولهذا كانت
الإسماعيلية أخذت ما يقوله هؤلاء في
[7] العقل والنفس ، وما تقوله المجوس من النور والظلمة ، فركبوا من ذلك ومن التشيع ، وعبروا عن ذلك بالسابق والتالي ، كما قد بسط في موضعه .
وأصل المشركين والمعطلة
[8] باطل ، وكذلك أصل المجوس ،
والقدرية تخرج بعض
[9] الحوادث عن خلق الله وقدرته ، ويجعلون له شريكا في الملك .
nindex.php?page=treesubj&link=28830وهؤلاء الدهرية شر منهم في ذلك ، فإن قولهم يستلزم إخراج جميع الحوادث عن خلق الله وقدرته وإثبات شركاء كثيرين له في الملك ، بل يستلزم تعطيل الصانع بالكلية . ولهذا كان
[10] معلمهم الأول
nindex.php?page=treesubj&link=28712_29620أرسطو [ ص: 411 ] وأتباعه إنما يثبتون الأول - الذي يسمونه العلة الأولى - بالاستدلال بحركة الفلك [11] ، فإنهم قالوا : هي اختيارية شوقية ، فلا بد أن يكون لها محرك [ منفصل ] [12] عنها ، وزعموا أن المتحرك بالإرادة لا بد له من محرك منفصل عنه ، وإن كان هذا قولا لا دليل عليه ، بل هو باطل .
قالوا : والمحرك لها يحركها ، كما يحرك الإمام المقتدى به للمأموم المقتدي ، وقد يشبهونها بحركة المعشوق للعاشق ، فإن المحبوب المراد يتحرك [ إليه ]
[13] المحب المريد من غير حركة من
[14] المحبوب . قالوا : وذلك العشق هو عشق التشبه بالأول
[15] .
وَإِنْ كَانُوا مِنَ
الصَّابِئِينَ فَهُمْ مِنَ
الصَّابِئِينَ [1] الْمُشْرِكِينَ ، لَا مِنَ
الصَّابِئِينَ الْحُنَفَاءِ الَّذِينَ أَثْنَى عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ ، فَإِنَّ أُولَئِكَ يَعْبُدُونَ
[2] الْكَوَاكِبَ وَيَبْنُونَ لَهَا
[3] الْهَيَاكِلَ ، وَيَتَّخِذُونَ فِيهَا الْأَصْنَامَ ، وَهَذَا دِينُ
[ ص: 410 ] الْمُشْرِكِينَ ، وَهُوَ دِينُ
أَهْلِ مَقْدُونِيَّةَ وَغَيْرِهَا مِنْ مَدَائِنِ هَؤُلَاءِ
nindex.php?page=treesubj&link=28839الْفَلَاسِفَةِ الصَّابِئَةِ الْمُشْرِكِينَ .
وَالْإِسْكَنْدَرُ الَّذِي وُزِرَ لَهُ
أَرِسْطُو هُوَ
[4] الْإِسْكَنْدَرُ بْنُ فِيلِبْسَ الْمَقْدُونِيُّ الَّذِي تُؤَرِّخُ لَهُ
الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى ، وَكَانَ قَبْلَ
الْمَسِيحِ [ عَلَيْهِ السَّلَامُ ]
[5] بِثَلَاثِمِائَةِ عَامٍ ، لَيْسَ هُوَ ذَا الْقَرْنَيْنِ الْمَذْكُورَ فِي الْقُرْآنِ ، فَإِنَّ هَذَا كَانَ مُتَقَدِّمًا عَلَيْهِ وَهُوَ مِنَ الْحُنَفَاءِ ، وَذَاكَ هُوَ وَوَزِيرُهُ [
أَرِسْطُو ]
[6] كُفَّارٌ يَقُولُونَ بِالسِّحْرِ وَالشِّرْكِ .
وَلِهَذَا كَانَتِ
الْإِسْمَاعِيلِيَّةُ أَخَذَتْ مَا يَقُولُهُ هَؤُلَاءِ فِي
[7] الْعَقْلِ وَالنَّفْسِ ، وَمَا تَقُولُهُ الْمَجُوسُ مِنَ النُّورِ وَالظُّلْمَةِ ، فَرَكِبُوا مِنْ ذَلِكَ وَمِنَ التَّشَيُّعِ ، وَعَبَّرُوا عَنْ ذَلِكَ بِالسَّابِقِ وَالتَّالِي ، كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي مَوْضِعِهِ .
وَأَصْلُ الْمُشْرِكِينَ وَالْمُعَطِّلَةِ
[8] بَاطِلٌ ، وَكَذَلِكَ أَصْلُ الْمَجُوسِ ،
وَالْقَدَرِيَّةُ تُخْرِجُ بَعْضَ
[9] الْحَوَادِثِ عَنْ خَلْقِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ ، وَيَجْعَلُونَ لَهُ شَرِيكًا فِي الْمُلْكِ .
nindex.php?page=treesubj&link=28830وَهَؤُلَاءِ الدَّهْرِيَّةُ شَرٌّ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ ، فَإِنَّ قَوْلَهُمْ يَسْتَلْزِمُ إِخْرَاجَ جَمِيعِ الْحَوَادِثِ عَنْ خَلْقِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ وَإِثْبَاتِ شُرَكَاءَ كَثِيرِينَ لَهُ فِي الْمُلْكِ ، بَلْ يَسْتَلْزِمُ تَعْطِيلَ الصَّانِعِ بِالْكُلِّيَّةِ . وَلِهَذَا كَانَ
[10] مُعَلِّمُهُمُ الْأَوَّلُ
nindex.php?page=treesubj&link=28712_29620أَرِسْطُو [ ص: 411 ] وَأَتْبَاعُهُ إِنَّمَا يُثْبِتُونَ الْأَوَّلَ - الَّذِي يُسَمُّونَهُ الْعِلَّةَ الْأُولَى - بِالِاسْتِدْلَالِ بِحَرَكَةِ الْفَلَكِ [11] ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا : هِيَ اخْتِيَارِيَّةٌ شَوْقِيَّةٌ ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لَهَا مُحَرِّكٌ [ مُنْفَصِلٌ ] [12] عَنْهَا ، وَزَعَمُوا أَنَّ الْمُتَحَرِّكَ بِالْإِرَادَةِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُحَرِّكٍ مُنْفَصِلٍ عَنْهُ ، وَإِنْ كَانَ هَذَا قَوْلًا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ ، بَلْ هُوَ بَاطِلٌ .
قَالُوا : وَالْمُحَرِّكُ لَهَا يُحَرِّكُهَا ، كَمَا يُحَرِّكُ الْإِمَامُ الْمُقْتَدَى بِهِ لِلْمَأْمُومِ الْمُقْتَدِي ، وَقَدْ يُشَبِّهُونَهَا بِحَرَكَةِ الْمَعْشُوقِ لِلْعَاشِقِ ، فَإِنَّ الْمَحْبُوبَ الْمُرَادَ يَتَحَرَّكُ [ إِلَيْهِ ]
[13] الْمُحِبُّ الْمُرِيدُ مِنْ غَيْرِ حَرَكَةٍ مِنْ
[14] الْمَحْبُوبِ . قَالُوا : وَذَلِكَ الْعِشْقُ هُوَ عِشْقُ التَّشَبُّهِ بِالْأَوَّلِ
[15] .