الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  فصل

                  قال الرافضي [1] : " وأيضا [2] الإجماع ليس أصلا في الدلالة ، بل لا بد أن يستند [3] المجمعون إلى دليل على الحكم  حتى يجتمعوا عليه وإلا كان خطأ ؛ وذلك الدليل إما عقلي ، وليس في العقل دلالة على إمامته وإما نقلي وعندهم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مات من غير وصية ولا نص على إمام [4] ، والقرآن خال منه فلو كان الإجماع متحققا كان خطأ فتنتفي [5] دلالته " .

                  والجواب من وجوه :

                  أحدها : أن قوله : " الإجماع ليس أصلا في الدلالة " .

                  إن أراد به أمر المجتمعين لا تجب طاعته لنفسه ، وإنما تجب لكونه دليلا على أمر الله ورسوله ؛ فهذا صحيح ، ولكن هذا لا يضر ؛ فإن أمر الرسول كذلك لم تجب طاعته لذاته ، بل لأن من أطاع الرسول فقد أطاع [ ص: 341 ] الله  ؛ ففي الحقيقة لا يطاع أحد لذاته إلا الله له الخلق والأمر ، وله الحكم وليس الحكم إلا لله ، وإنما وجبت [6] طاعة الرسول ; لأن طاعته طاعة الله ووجبت طاعة المؤمنين المجتمعين  ، لأن طاعتهم طاعة الله والرسول . ووجب تحكيم الرسول ؛ لأن حكمه حكم الله ، وكذلك تحكيم [7] الأمة ، لأن حكمها حكم الله .

                  وفي الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن أطاع أميري فقد أطاعني ، ومن عصاني فقد عصى الله ، ومن عصى أميري فقد عصاني " [8] .

                  وقد قامت الأدلة [9] الكثيرة على أن الأمة لا تجتمع على ضلالة ، بل ما أمرت به الأمة فقد أمر الله به ورسوله .

                  والأمة أمرت بطاعة أبي بكر في إمامته ، فعلم أن الله ورسوله أمرا بذلك ، فمن عصاه كان عاصيا لله ورسوله .

                  وإن أراد به أنه قد يكون موافقا للحق ، وقد يكون مخالفا له ، وهذا هو الذي أراده ، فهذا قدح في كون الإجماع حجة ، ودعوى أن الأمة قد تجتمع على الضلالة والخطأ ، كما يقول ذلك من يقوله من الرافضة الموافقين للنظام .

                  وحينئذ فيقال : كون علي إماما ومعصوما [10] وغير ذلك من الأصول [ ص: 342 ] الإمامية [11] أثبتوه بالإجماع ، إذ عمدتهم في أصول دينهم على ما يذكرونه من العقليات وعلى الإجماع ، وعلى ما ينقلونه ؛ فهم يقولون [12] : علم بالعقل لأنه لا بد [13] للناس من إمام معصوم وإمام منصوص عليه ؛ وغير علي ليس معصوما ولا منصوصا عليه * بالإجماع فيكون المعصوم هو عليا وغير ذلك من مقدمات حججهم .

                  فيقال لهم * [14] : إن لم يكن الإجماع حجة ، فقد بطلت تلك الحجج فبطل ما بنوه على الإجماع من أصولهم فبطل قولهم ، وإذا بطل ثبت مذهب أهل السنة .

                  وإن كان الإجماع حقا ، فقد ثبت أيضا مذهب أهل السنة ، فقد تبين بطلان قولهم سواء قالوا : الإجماع حجة أم لم يقولوا ، وإذا بطل قولهم ثبت مذهب أهل السنة [15] وهو المطلوب .

                  وإن قالوا : نحن ندع الإجماع ولا نحتج به في شيء من أصولنا ، وإنما عمدتنا العقل والنقل عن الأئمة المعصومين .

                  قيل لهم : إذا لم تحتجوا بالإجماع لم يبق معكم حجة سمعية غير النقل المعلوم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ؛ فإن ما ينقلونه عن علي وغيره من الأئمة لا يكون حجة حتى نعلم عصمة الواحد من هؤلاء . [ ص: 343 ] وعصمة الواحد من هؤلاء لا تثبت إلا بنقل عمن علم عصمته ؛ والمعلوم عصمته هو الرسول ؛ فما لم يثبت نقل معلوم عن الرسول بما يقولونه لم يكن معهم حجة سمعية [16] أصلا : لا في أصول الدين ولا في فروعه ، وحينئذ فيرجع الأمر إلى دعوى خلافة علي بالنص ؛ فإن أثبتم النص بالإجماع فهو باطل ، لنفيكم كون الإجماع حجة ، وإن لم تثبتوه إلا بالنقل الخاص الذي يذكره بعضكم ، فقد تبين بطلانه من وجوه ، وتبين أن ما ينقله الجمهور وأكثر الشيعة مما يناقض هذا القول يوجب علما يقينيا بأن هذا كذب .

                  وهذه الأمور من تدبرها تبين له أن الإمامية لا يرجعون في شيء مما ينفردون به عن الجمهور إلى الحجة أصلا : لا عقلية ولا سمعية ، ولا نص ولا إجماع ؛ وإنما عمدتهم دعوى نقل مكذوب يعلم أنه كذب ، أو دعوى دلالة نص ، أو قياس يعلم أنه لا دلالة له .

                  وهم وسائر أهل البدع ، كالخوارج والمعتزلة ؛ وإن كانوا عند التحقيق لا يرجعون إلى حجة صحيحة : لا عقلية ولا سمعية ، وإنما لهم شبهات ؛ لكن حججهم أقوى من حجج الرافضة السمعية والعقلية ، أما السمعيات فإنهم لا يتعمدون الكذب كما تتعمده الرافضة ولهم في النصوص الصحيحة شبهة أقوى من شبه الرافضة .

                  وأيضا فإن سائر أهل البدع أعلم بالحديث والآثار منهم ، والرافضة أجهل الطوائف بالأحاديث والآثار وأحوال النبي - صلى الله عليه وسلم - ؛ [ ص: 344 ] ولهذا يوجد في كتبهم وكلامهم من الجهل والكذب في المنقولات ما لا يوجد في سائر الطوائف ، وكذلك لهم في العقليات مقاييس هي مع ضعفها وفسادها أجود من مقاييس الرافضة .

                  وأيضا فنحن نشير إلى [17] ما يدل على أن الإجماع حجة بالدلالة المبسوطة في غير هذا الموضع ، ولكل مقام مقال .

                  ونحن لا نحتاج في تقرير إمامة الصديق - رضي الله عنه - ولا غيره إلى هذا الإجماع ، ولا نشترط في إمامة أحد هذا الإجماع ؛ لكن هو لما ذكر أن أهل السنة اعتمدوا على الإجماع تكلمنا على ذلك ، فنشير إلى بعض ما يدل على صحة الإجماع .

                  فنقول أولا : ما من حكم اجتمعت [18] الأمة عليه إلا وقد دل عليه النص ، فالإجماع دليل على نص موجود معلوم عند الأئمة ليس مما درس علمه ، والناس قد اختلفوا في جواز الإجماع عن اجتهاد ، ونحن نجوز أن يكون بعض المجمعين [19] قال عن اجتهاد ، لكن لا يكون النص خافيا على جميع المجتهدين وما من حكم يعلم أن فيه إجماعا إلا وفي الأمة من يعلم أن فيه نصا . وحينئذ فالإجماع دليل على النص .

                  ولهذا قال تعالى : ( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ) [ سورة النساء : 115 ] . فعلق الوعيد [ ص: 345 ] بمشاقة الرسول واتباع غير سبيل المؤمنين [20] مع العلم بأن مجرد مشاقة الرسول توجب الوعيد ولكن هما متلازمان ؛ فلهذا [21] علقه بهما ، كما يعلقه بمعصية الله ورسوله ، وهما متلازمان أيضا .

                  وخلافة الصديق من هذا الباب ، فإن النصوص الكثيرة دلت على أنها حق وصواب ، وهذا مما لم يختلف العلماء فيه ، واختلفوا : هل انعقدت بالنص الذي هو العهد كخلافة عمر ، أو بالإجماع والاختيار ؟ .

                  وأما دلالة النصوص على أنها حق وصواب ؛ فما علمت أحدا نازع فيه من علماء السنة ؛ كلهم يحتج على صحتها بالنصوص ، إذا كنا نبين أن ما انعقد عليه الإجماع فهو منصوص عليه كان ذكر الإجماع ; لأنه دليل على النص لا يفارقه البتة .

                  ومع هذا فنحن نذكر بعض ما يستدل به على الإجماع مطلقا ويستدل به على من يقول : قد لا يكون معه نص .

                  كقوله تعالى : ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ) [ سورة آل عمران : 110 ] ، فهذا يقتضي أنهم يأمرون بكل معروف وينهون عن كل منكر . ومن المعلوم أن إيجاب ما أوجبه الله وتحريم ما حرمه الله هو من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، بل هو نفسه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فيجب أن يوجبوا كل ما أوجبه الله ورسوله ، ويحرموا كل ما حرمه الله ورسوله ؛ وحينئذ فيمتنع أن يوجبوا حراما ، ويحرموا واجبا بالضرورة ، فإنه لا يجوز عليهم السكوت عن [ ص: 346 ] الحق في ذلك فكيف نجوز السكوت عن الحق والتكلم بنقيضه من الباطل ؟ ولو فعلوا ذلك لكانوا قد أمروا بالمنكر ونهوا عن المعروف ، وهو خلاف النصر .

                  فلو كانت ولاية أبي بكر حراما ، وطاعته حراما منكرا لوجب أن ينهوا عن ذلك ولو كانت مبايعة علي واجبة لكان ذلك من أعظم المعروف الذي يجب أن يأمروا به ، فلما لم يكن كذلك علم أن مبايعة هذا إذ ذاك لم تكن معروفا ولا واجبا ولا مستحبا ، ومبايعة ذلك لم تكن منكرا ، وهو المطلوب .

                  وأيضا فقوله تعالى : ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ) [ سورة التوبة : 71 ] والاستدلال به كما تقدم .

                  وأيضا فقوله تعالى : ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ) [ سورة البقرة : 143 ] وقوله : ( هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس ) [ سورة الحج : 87 ] . ومن جعلهم الرب شهداء على الناس ، فلا بد أن يكونوا عالمين بما يشهدون به ، ذوي عدل في شهادتهم ، فلو كانوا يحللون ما حرم الله ويحرمون ما أحل [22] الله ويوجبون ما عفا الله عنه ويسقطون ما أوجبه الله لم يكونوا كذلك ، وكذلك إذا كانوا يجرحون الممدوح ويمدحون المجروح .

                  [ ص: 347 ] فإذا شهدوا أن أبا بكر أحق بالإمامة وجب أن يكونوا صادقين في هذه الشهادة عالمين بما شهدوا به ، وكذلك إذا شهدوا أن هذا مطيع لله وهذا عاص لله وهذا فعل ما يستحق عليه الثواب وهذا فعل ما يستحق عليه العقاب وجب قبول شهادتهم  ، فإن الشهادة على الناس تتناول الشهادة بما فعلوه من مذموم ومحمود . والشهادة بأن هذا مطيع وهذا عاص هي تتضمن الشهادة بأفعالهم وأحكام أفعالهم وصفاتهم وهو المطلوب .

                  وفي الصحيحين عن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر عليه بجنازة فأثنوا عليها خيرا ، فقال : " وجبت " ومر عليه بجنازة فأثنوا عليها شرا فقال وجبت فقيل : يا رسول الله ما قولك : وجبت ؟ قال : " هذه الجنازة أثنيتم عليها خيرا فقلت وجبت لها الجنة ، وهذه الجنازة أثنيتم عليها شرا ، فقلت : وجبت لها النار أنتم شهداء الله في الأرض " [23] .

                  وأيضا فقوله : ( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ) الآية [ سورة النساء : 115 ] فإنه توعد على المشاقة للرسول واتباع غير سبيل المؤمنين ؛ وذلك يقتضي أن كلا منهما مذموم ؛ فإن مشاقة الرسول وحدها مذمومة بالإجماع ، فلو لم يكن الآخر [ ص: 348 ] مذموما لكان قد رتب الوعيد على وصفين : مذموم وغير مذموم وهذا لا يجوز .

                  ونظير هذا قوله تعالى : ( والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا ) [ سورة الفرقان : 68 ، 69 ] فإنه يقتضي أن كل واحد من الخصال الثلاثة مذموم شرعا .

                  وحينئذ فإذا كان المؤمنون قد أوجبوا أشياء وحرموا أشياء فخالفهم مخالف ، وقال : إن ما أوجبوه ليس بواجب ، وما حرموه ليس بحرام فقد اتبع غير سبيلهم ، لأن المراد بسبيلهم اعتقاداتهم وأفعالهم ، وإذا كان كذلك كان مذموما ولو لم يكن سبيلهم صوابا وحقا لم يكن المخالف لهم مذموما .

                  وأيضا فقوله تعالى : ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ) [ سورة النساء : 59 ] : فجعل وجوب الرد إلى الله والرسول [24] معلقا [25] بالتنازع . والحكم المعلق بالشرط عدم عند عدمه ، فعلم أنه عند انتفاء التنازع لا يجب الرد إلى الله ورسوله فدل على أن إجماعهم إنما يكون على حق وصواب فإنه لو كان على باطل وخطأ لم يسقط عنهم وجوب الرد إلى الكتاب والسنة لأجل باطلهم وخطئهم ; ولأن أمر الله ورسوله حق حال إجماعهم [ ص: 349 ] ونزاعهم فإذا لم يجب الرد عليه عند الإجماع دل على أن الإجماع موافق له لا مخالف له ، فلما كان المستدل بالإجماع متبعا له في نفس الأمر لم يحتج إلى الرد إليه .

                  وأيضا قوله تعالى : ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا [ سورة آل عمران : 103 ] أمرهم بالاجتماع ونهاهم عن الافتراق فلو كان في حال الاجتماع قد يكونون مطيعين لله تارة وعاصين له أخرى لم يجز أن يأمر به إلا إذا كان اجتماعا على طاعة ؛ والله أمر به مطلقا ; ولأنه لو كان كذلك لم يكن فرق بين الاجتماع والافتراق ، لأن الافتراق إذا كان معه طاعة كان مأمورا به مثل أن يكون الناس نوعين نوع يطيع الله ورسوله ونوع يعصيه ؛ فإنه يجب أن يكون مع المطيعين ، وإن كان في ذلك فرقة ، فلما أمرهم بالاجتماع دل على أنه مستلزم لطاعة الله .

                  وأيضا فإنه قال : ( إنما وليكم الله ورسوله ) [ سورة المائدة : 55 ] فجعل موالاتهم كموالاة الله ورسوله . وموالاة الله ورسوله لا تتم إلا بطاعة أمره ، وكذلك المؤمنون لا تتم موالاتهم إلا بطاعة أمرهم ؛ وهذا لا يكون إلا إذا كان أمرهم أمرا متفقا ؛ فإن أمر بعضهم بشيء وأمر آخر [26] بضده لم يكن موالاة هذا بأولى من موالاة هذا ، فكانت الموالاة في حال النزاع بالرد إلى الله والرسول .

                  وأيضا فقد [27] ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في أحاديث كثيرة [ ص: 350 ] متعددة الأمر بالاعتصام بالجماعة والمدح لها ، وذم الشذوذ ، وأن الخير والهدى والرحمة مع الجماعة ، وأن الله لم يكن ليجمع هذه الأمة على ضلالة ، وأنه لن يزال فيها [28] طائفة ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم ولا يزال الله يغرس في هذا الدين غرسا يستعملهم فيه بطاعة الله ، وأن خير هذه الأمة القرن الأول ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم .

                  وقد روى الحاكم وغيره عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا يجمع الله أمتي [29] على الضلالة أبدا ، ويد الله على الجماعة [30] " .

                  وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :

                  [ ص: 351 ] " من خالف جماعة المسلمين شبرا فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه " [31] .

                  وعن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " من خرج من الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه حتى يراجعه ، ومن مات وليس عليه إمام جماعة ؛ فإن ميتته ميتة جاهلية " [32] .

                  وعن الحارث الأشعري قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " آمركم بخمس كلمات أمرني الله بهن : الجماعة ، والسمع ، والطاعة ، والهجرة ، والجهاد فمن خرج من الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من رأسه [33] إلا أن يرجع " [34] .

                  [ ص: 352 ] وعن معاوية قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من فارق الجماعة شبرا دخل النار " [35] .

                  وعن ابن عمر قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " من فارق أمته [36] ، أو عاد أعرابيا بعد هجرته ، فلا حجة له " [37] .

                  وعن ربعي قال : أتيت حذيفة ليالي سار الناس إلى عثمان ، فقال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " من فارق الجماعة واستبدل [38] الإمارة لقي الله ولا حجة له " [39] .

                  [ ص: 353 ] وعن فضالة بن عبيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال : " ثلاثة لا يسأل عنهم : رجل فارق الجماعة ، وعصى إمامه فمات عاصيا . . . " فذكر الحديث [40] .

                  وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " الصلاة المكتوبة إلى التي بعدها كفارة لما بينهما ، والجمعة إلى الجمعة والشهر إلى الشهر - يعني رمضان - كفارة لما بينهما " ، قال بعد ذلك : " إلا من ثلاث " فعرفت أن ذلك من أمر حدث فقال : " إلا من الإشراك بالله ، ونكث الصفقة ، وترك السنة ، وأن تبايع رجلا بيمينك ، ثم تخالف تقاتله بسيفك . وترك السنة الخروج من الجماعة " [41] .

                  وعن النعمان بن بشير قال : خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : " نضر الله وجه امرئ سمع مقالتي فحملها [42] ، فرب حامل فقه [ ص: 354 ] غير فقيه ، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه . ثلاث لا يغل عليهن قلب مؤمن : إخلاص العمل لله ومناصحة ولاة الأمر ولزوم جماعة المسلمين " [43] روى هذه الأحاديث الحاكم في " المستدرك " وذكر أنهاعلى شرط الصحيح .

                  وذلك يقتضي أن اجتماع الأمة لا يكون إلا على حق وهدى وصواب  ، وأن أحق الأمة بذلك هم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وذلك يقتضي أن ما فعلوه من خلافة الصديق كان حقا وهدى وصوابا .

                  وأيضا فإن السلف كان يشتد إنكارهم على من يخالف الإجماع ، ويعدونه من أهل الزيغ والضلال  ، فلو كان ذلك شائعا عندهم لم ينكروه ، وكانوا ينكرون عليه إنكارا هم قاطعون به لا يسوغون لأحد أن يدع الإنكار عليه فدل على أن الإجماع عندهم كان مقطوعا به .

                  [ ص: 355 ] والعقول المتباينة لا تتفق على القطع من غير تواطؤ ولا تشاعر ، إلا لما يوجب القطع وإلا فلو لم يكن هناك ما يوجب القطع ، بل لا يوجب الظن لم تكن الطوائف الكثيرة مع تباين هممهم وقرائحهم وعدم تواطئهم يقطعون في موضع لا قطع فيه .

                  فعلم أنه كان عندهم أدلة قطعية توجب كون الإجماع حجة يجب اتباعها ويحرم خلافها .

                  وأيضا فإن السنة والشيعة اتفقوا على أنه إذا كان علي معهم كان إجماعهم حجة . ولا يجوز أن يكون ذلك لأجل عصمة علي ؛ لأن عصمته لم تثبت إلا بالإجماع ، فإن عمدتهم في ذلك الإجماع على انتفاء العصمة من غيره إذ ليس في النص ولا المعقول ما ينفي العصمة عن [44] غيره .

                  وهذا مما يبين تناقض الرافضة ، فإن أصل دينهم بنوه على الإجماع ، ثم قدحوا فيه والقدح فيه قدح في عصمة علي فلا يبقى لهم ما يعتمدون عليه وهذا شأنهم في عامة أقوالهم التي ينفردون بها .

                  ولهذا قال فيهم الشعبي : " يأخذون بأعجاز لا صدور لها " أي بفروع لا أصول لها .

                  فإن كان الإجماع ليس بحجتهم [45] لم تثبت عصمته ، وإن كان حجة لم يحتج إلى عصمته ، فثبت أنه على التقديرين لا يجوز أن يكون قولهم [ ص: 356 ] حجة لأجل علي ، فلزم أن يكون الإجماع حجة ، [46] وإلا لزم بطلان قول السنة والشيعة .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية