فصل .
وقوله : " وإن كان الحزن طاعة استحال نهي النبي صلى الله عليه وسلم عنه ، وإن كان معصية كان ما ادعوه فضيلة رذيلة " .
[ ص: 463 ] والجواب أولا : أنه لم يدع أحد أن مجرد الحزن كان هو الفضيلة ، بل الفضيلة ما دل عليه قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا ) الآية [ سورة التوبة : 40 ] .
فالفضيلة كونه هو الذي خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الحال واختص بصحبته ، وكان له كمال الصحبة مطلقا ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم له : "
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40إن الله معنا "
[1] ، وما يتضمنه ذلك من كمال موافقته للنبي صلى الله عليه وسلم ومحبته وطمأنينته ، وكمال معونته للنبي صلى الله عليه وسلم وموالاته ففي
[2] هذه الحال من كمال إيمانه ، وتقواه ما
[3] هو الفضيلة .
وكمال محبته ونصره للنبي صلى الله عليه وسلم هو الموجب لحزنه إن كان
nindex.php?page=treesubj&link=28833_31136حزن مع أن القرآن لم يدل على أنه حزن كما تقدم .
ويقال : ثانيا : هذا بعينه موجود في قوله عز وجل لنبيه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=127ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون ) [ سورة النحل : 127 ] ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=88لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم ) [ سورة الحجر : 88 ] ونحو ذلك ، بل في قوله تعالى
لموسى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=21خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى ) [ سورة طه : 21 ] .
[ ص: 464 ] فيقال : إن كان الخوف طاعة فقد نهى عنه ، وإن كان معصية فقد عصى .
ويقال : إنه أمر أن يطمئن ويثبت ، لأن الخوف يحصل بغير اختيار العبد إذا لم يكن له ما يوجب الأمن فإذا حصل ما يوجب الأمن زال الخوف .
فقوله
لموسى nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=21ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى ) [ سورة طه : 21 ] هو أمر مقرون بخبره بما يزيل الخوف .
وكذلك قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=67فأوجس في نفسه خيفة موسى قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى ) [ سورة طه : 67 ، 68 ] هو نهي عن الخوف مقرون بما يوجب زواله .
* وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم لصديقه : "
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40لا تحزن إن الله معنا نهي عن الحزن مقرون بما يوجب زواله *
[4] وهو قوله .
إن الله معنا وإذا حصل الخبر بما يوجب زوال الحزن والخوف زال وإلا فهو تهجم على الإنسان بغير اختياره .
وهكذا قول صاحب
مدين لموسى لما قص عليه القصص : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=25لا تخف نجوت من القوم الظالمين ) [ سورة القصص : 25 ] وكذلك قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=139ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ) [ سورة آل عمران : 139 ] قرن النهي عن ذلك بما يزيله من إخباره أنهم هم الأعلون إن كانوا مؤمنين . وكذلك قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=127ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون ) [ سورة النحل : 127 ] مقرون بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=128إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ) [ سورة النحل : 128 ] وإخبارهم بأن الله معهم يوجب زوال الضيق من مكر عدوهم .
وقد قال لما أنزل الله الملائكة يوم بدر : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=126وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم ) [ سورة آل عمران : 126 ] .
ويقال : ثالثا : ليس في نهيه عن الحزن ما يدل على وجوده كما تقدم ، بل قد ينهى عنه لئلا يوجد إذا وجد مقتضيه وحينئذ فلا يضرنا كونه معصية لو وجد فالنهي قد يكون نهي تسلية وتعزية وتثبيت ، وإن لم يكن المنهي عنه معصية ، بل قد يكون مما يحصل بغير اختيار المنهى وقد يكون الحزن من هذا الباب .
ولذلك قد ينهى الرجل عن إفراطه في الحب وإن كان الحب مما لا يملك وينهى عن الغشي والصعق والاختلاج وإن كان هذا يحصل بغير اختياره والنهي عن ذلك ليس لأن المنهي عنه معصية إذا حصل بغير اختياره ، ولم يكن سببه محظورا .
فإن قيل فيكون قد نهي عما لا يمكن تركه .
قيل : المراد بذلك أنه مأمور بأن يأتي بالضد المنافي للحزن ، وهو قادر على اكتسابه ، فإن الإنسان قد يسترسل في أسباب الحزن والخوف وسقوط بدنه فإذا سعى في اكتساب
[5] ما يقويه ثبت قلبه وبدنه ، وعلى
[ ص: 466 ] هذا فيكون النهي
[6] عن هذا أمرا
[7] بما يزيله وإن لم يكن معصية كما يؤمر الإنسان بدفع عدوه عنه ، وبإزالة النجاسة ونحو ذلك مما يؤذيه وإن لم يكن حصل بذنب منه .
والحزن يؤذي القلب ، فأمر بما يزيله كما يؤمر بما يزيل النجاسة ، والحزن
[8] إنما حصل بطاعة ، وهو محبة الرسول ونصحه ، وليس هو بمعصية
[9] يذم عليه وإنما حصل بسبب الطاعة لضعف القلب الذي لا يذم
[10] المرء عليه وأمر باكتساب قوة تدفعه عنه ليثاب على ذلك .
ويقال : رابعا لو قدر أن الحزن كان معصية فهو فعله قبل أن ينهى عنه فلما نهي عنه لم يفعله ، وما فعل قبل التحريم فلا إثم فيه كما كانوا قبل تحريم الخمر يشربونها ويقامرون فلما نهوا عنها انتهوا ، ثم تابوا كما تقدم .
فَصْلٌ .
وَقَوْلُهُ : " وَإِنْ كَانَ الْحُزْنُ طَاعَةً اسْتَحَالَ نَهْيُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ ، وَإِنْ كَانَ مَعْصِيَةً كَانَ مَا ادَّعَوْهُ فَضِيلَةً رَذِيلَةً " .
[ ص: 463 ] وَالْجَوَابُ أَوَّلًا : أَنَّهُ لَمْ يَدَّعِ أَحَدٌ أَنَّ مُجَرَّدَ الْحُزْنِ كَانَ هُوَ الْفَضِيلَةَ ، بَلِ الْفَضِيلَةُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ) الْآيَةَ [ سُورَةُ التَّوْبَةِ : 40 ] .
فَالْفَضِيلَةُ كَوْنُهُ هُوَ الَّذِي خَرَجَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْحَالِ وَاخْتَصَّ بِصُحْبَتِهِ ، وَكَانَ لَهُ كَمَالُ الصُّحْبَةِ مُطْلَقًا ، وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا "
[1] ، وَمَا يَتَضَمَّنُهُ ذَلِكَ مِنْ كَمَالِ مُوَافَقَتِهِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَحَبَّتِهِ وَطُمَأْنِينَتِهِ ، وَكَمَالِ مَعُونَتِهِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُوَالَاتِهِ فَفِي
[2] هَذِهِ الْحَالِ مِنْ كَمَالِ إِيمَانِهِ ، وَتَقْوَاهُ مَا
[3] هُوَ الْفَضِيلَةُ .
وَكَمَالُ مَحَبَّتِهِ وَنَصْرِهِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْمُوجِبُ لِحُزْنِهِ إِنْ كَانَ
nindex.php?page=treesubj&link=28833_31136حَزِنَ مَعَ أَنَّ الْقُرْآنَ لَمْ يَدُلَّ عَلَى أَنَّهُ حَزِنَ كَمَا تَقَدَّمَ .
وَيُقَالُ : ثَانِيًا : هَذَا بِعَيْنِهِ مَوْجُودٌ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=127وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ ) [ سُورَةُ النَّحْلِ : 127 ] ، وَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=88لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ ) [ سُورَةُ الْحِجْرِ : 88 ] وَنَحْوِ ذَلِكَ ، بَلْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
لِمُوسَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=21خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى ) [ سُورَةُ طه : 21 ] .
[ ص: 464 ] فَيُقَالُ : إِنْ كَانَ الْخَوْفُ طَاعَةً فَقَدْ نَهَى عَنْهُ ، وَإِنْ كَانَ مَعْصِيَةً فَقَدْ عَصَى .
وَيُقَالُ : إِنَّهُ أُمِرَ أَنْ يَطْمَئِنَّ وَيَثْبُتَ ، لِأَنَّ الْخَوْفَ يَحْصُلُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِ الْعَبْدِ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَا يُوجِبُ الْأَمْنَ فَإِذَا حَصَلَ مَا يُوجِبُ الْأَمْنَ زَالَ الْخَوْفُ .
فَقَوْلُهُ
لِمُوسَى nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=21وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى ) [ سُورَةُ طه : 21 ] هُوَ أَمْرٌ مَقْرُونٌ بِخَبَرِهِ بِمَا يُزِيلُ الْخَوْفَ .
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=67فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى ) [ سُورَةُ طه : 67 ، 68 ] هُوَ نَهْيٌ عَنِ الْخَوْفِ مَقْرُونٌ بِمَا يُوجِبُ زَوَالَهُ .
* وَكَذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِصِدِّيقِهِ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا نَهْيٌ عَنِ الْحُزْنِ مَقْرُونٌ بِمَا يُوجِبُ زَوَالَهُ *
[4] وَهُوَ قَوْلُهُ .
إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا وَإِذَا حَصَلَ الْخَبَرُ بِمَا يُوجِبُ زَوَالَ الْحُزْنِ وَالْخَوْفِ زَالَ وَإِلَّا فَهُوَ تَهَجُّمٌ عَلَى الْإِنْسَانِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ .
وَهَكَذَا قَوْلُ صَاحِبِ
مَدْيَنَ لِمُوسَى لَمَّا قَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=25لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) [ سُورَةُ الْقَصَصِ : 25 ] وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=139وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) [ سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ : 139 ] قَرَنَ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ بِمَا يُزِيلُهُ مِنْ إِخْبَارِهِ أَنَّهُمْ هُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ . وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=127وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ ) [ سُورَةُ النَّحْلِ : 127 ] مَقْرُونٌ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=128إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ) [ سُورَةُ النَّحْلِ : 128 ] وَإِخْبَارُهُمْ بِأَنَّ اللَّهَ مَعَهُمْ يُوجِبُ زَوَالَ الضَّيِّقِ مِنْ مَكْرِ عَدُوِّهِمْ .
وَقَدْ قَالَ لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ الْمَلَائِكَةَ يَوْمَ بَدْرٍ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=126وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ) [ سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ : 126 ] .
وَيُقَالُ : ثَالِثًا : لَيْسَ فِي نَهْيِهِ عَنِ الْحُزْنِ مَا يَدُلُّ عَلَى وُجُودِهِ كَمَا تَقَدَّمَ ، بَلْ قَدْ يَنْهَى عَنْهُ لِئَلَّا يُوجَدَ إِذَا وُجِدَ مُقْتَضِيهِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَضُرُّنَا كَوْنُهُ مَعْصِيَةً لَوْ وُجِدَ فَالنَّهْيُ قَدْ يَكُونُ نَهْيَ تَسْلِيَةٍ وَتَعْزِيَةٍ وَتَثْبِيتٍ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ مَعْصِيَةً ، بَلْ قَدْ يَكُونُ مِمَّا يَحْصُلُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِ الْمُنْهَى وَقَدْ يَكُونُ الْحُزْنُ مِنْ هَذَا الْبَابِ .
وَلِذَلِكَ قَدْ يُنْهَى الرَّجُلُ عَنْ إِفْرَاطِهِ فِي الْحُبِّ وَإِنْ كَانَ الْحُبُّ مِمَّا لَا يُمْلَكُ وَيُنْهَى عَنِ الْغَشْيِ وَالصَّعْقِ وَالِاخْتِلَاجِ وَإِنْ كَانَ هَذَا يَحْصُلُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ وَالنَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ لَيْسَ لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ مَعْصِيَةٌ إِذَا حَصَلَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ ، وَلَمْ يَكُنْ سَبَبُهُ مَحْظُورًا .
فَإِنْ قِيلَ فَيَكُونُ قَدْ نُهِيَ عَمَّا لَا يُمْكِنُ تَرْكُهُ .
قِيلَ : الْمُرَادُ بِذَلِكَ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِأَنْ يَأْتِيَ بِالضِّدِّ الْمُنَافِي لِلْحُزْنِ ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى اكْتِسَابِهِ ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَسْتَرْسِلُ فِي أَسْبَابِ الْحُزْنِ وَالْخَوْفِ وَسُقُوطِ بَدَنِهِ فَإِذَا سَعَى فِي اكْتِسَابِ
[5] مَا يُقَوِّيهِ ثَبَتَ قَلْبُهُ وَبَدَنُهُ ، وَعَلَى
[ ص: 466 ] هَذَا فَيَكُونُ النَّهْيُ
[6] عَنْ هَذَا أَمْرًا
[7] بِمَا يُزِيلُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْصِيَةً كَمَا يُؤْمَرُ الْإِنْسَانُ بِدَفْعِ عَدُوِّهُ عَنْهُ ، وَبِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يُؤْذِيهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَصَلَ بِذَنْبٍ مِنْهُ .
وَالْحُزْنُ يُؤْذِي الْقَلْبَ ، فَأُمِرَ بِمَا يُزِيلُهُ كَمَا يُؤْمَرُ بِمَا يُزِيلُ النَّجَاسَةَ ، وَالْحُزْنُ
[8] إِنَّمَا حَصَلَ بِطَاعَةٍ ، وَهُوَ مَحَبَّةُ الرَّسُولِ وَنُصْحُهُ ، وَلَيْسَ هُوَ بِمَعْصِيَةٍ
[9] يُذَمُّ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا حَصَلَ بِسَبَبِ الطَّاعَةِ لِضَعْفِ الْقَلْبِ الَّذِي لَا يُذَمُّ
[10] الْمَرْءُ عَلَيْهِ وَأُمِرَ بِاكْتِسَابِ قُوَّةٍ تَدْفَعُهُ عَنْهُ لِيُثَابَ عَلَى ذَلِكَ .
وَيُقَالُ : رَابِعًا لَوْ قُدِّرَ أَنَّ الْحُزْنَ كَانَ مَعْصِيَةً فَهُوَ فَعَلَهُ قَبْلَ أَنْ يُنْهَى عَنْهُ فَلَمَّا نُهِيَ عَنْهُ لَمْ يَفْعَلْهُ ، وَمَا فُعِلَ قَبْلَ التَّحْرِيمِ فَلَا إِثْمَ فِيهِ كَمَا كَانُوا قَبْلَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ يَشْرَبُونَهَا وَيُقَامِرُونَ فَلَمَّا نُهُوا عَنْهَا انْتَهَوْا ، ثُمَّ تَابُوا كَمَا تَقَدَّمَ .