وقال أبو عبيدة : هي بنت خباب بن حبيب بن مالك بن عمرو بن عامر الضيحان [الأصغر بن زيد مناة بن عامر الضحيان ] الأكبر بن سعد بن الخزرج بن تيم الله بن النمر بن قاسط ولدت لعبد المطلب العباس فأنجبت به ، قال : وهي أول عربية كست البيت الحرام الحرير والديباج وأصناف الكسوة . وذلك أن العباس ضل وهو صبي فنذرت إن وجدته أن تكسو البيت الحرام ، فوجدته ففعلت ما نذرت وكان العباس في الجاهلية رئيسا في قريش ، وإليه كانت عمارة المسجد الحرام والسقاية في الجاهلية ، فالسقاية معروفة ، وأما العمارة فإنه كان لا يدع أحدا يسب في المسجد الحرام ، ولا يقول فيه هجرا ، يحملهم على عمارته في الخير ، لا يستطيعون لذلك امتناعا ، لأنه كان ملأ قريش قد اجتمعوا وتعاقدوا على ذلك ، فكانوا له أعوانا عليه ، وسلموا ذلك إليه . ذكر ذلك وغيره من العلماء بالنسب والخبر . الزبير
وذكر ابن السراج قال : حدثنا قال : حدثنا قتيبة بن سعيد ، كثير بن شهاب ، قال : حدثنا قال حدثنا جعفر بن برقان ، يزيد بن الأصم العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ممن خرج مع المشركين يوم بدر ، فأسر فيمن [ ص: 812 ] أسر منهم ، وكانوا قد شدوا وثاقه ، فسهر النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة ، ولم ينم ، فقال له بعض أصحابه : ما أسهرك يا نبي الله ؟ فقال : أسهر لأنين العباس . فقام رجل من القوم فأرخى من وثاقه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما لي لا أسمع أنين العباس ؟ فقال رجل : أنا أرخيت من وثاقه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فافعل ذلك بالأسرى كلهم . أن
قال أسلم أبو عمر : العباس قبل فتح خيبر ، وكان يكتم إسلامه ، وذلك بين في حديث الحجاج بن علاط أنه كان مسلما يسره ما يفتح الله عز وجل على المسلمين ، ثم أظهر إسلامه يوم فتح مكة ، وشهد حنينا والطائف وتبوك .
وقيل : إن إسلامه قبل بدر ، وكان رضي الله عنه يكتب بأخبار المشركين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان المسلمون يتقوون به بمكة ، وكان يحب أن يقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن مقامك بمكة خير ، فلذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر :
العباس فلا يقتله ، فإنه إنما أخرج كارها . وكان من لقي منكم العباس أنصر الناس لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أبي طالب ، وحضر مع النبي صلى الله عليه وسلم العقبة يشترط له على الأنصار ، وكان على دين قومه يومئذ ، وأخرج إلى بدر مكرها فيما زعم قوم ، وفدى يومئذ عقيلا ونوفلا ابني أخويه أبي طالب والحارث من ماله ، وولي السقاية بعد أبي طالب وقام بها ، وانهزم الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين غيره وغير [ ص: 813 ] عمر ، وعلي ، وأبي سفيان بن الحارث . وقد قيل غير سبعة من أهل بيته ، وذلك مذكور في شعر العباس الذي يقول فيه :
ألا هل أتى عرسي مكري ومقدمي بوادي حنين والأسنة تشرع وقولي إذا ما النفس جاشت لها قدي
وهام تدهدى بالسيوف وأدرع وكيف رددت الخيل وهي مغيرة
بزوراء تعطى في اليدين وتمنع
نصرنا رسول الله في الحرب سبعة وقد فر من قد فر عنه وأقشع
وثامننا لاقى الحمام بسيفه بما مسه في الله لا يتوجع
وجعل غير في موضع ابن إسحاق أبي سفيان والصحيح أن عمر بن الخطاب ، كان يومئذ معه لم يختلف فيه ، واختلف في أبا سفيان بن الحارث عمر .
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكرم العباس بعد إسلامه ويعظمه ويجله وكان ويقول : هذا عمي وصنو أبي ، العباس جوادا مطعما وصولا للرحم ذا رأي حسن ودعوة مرجوة .
وروى علي بن المدائني ، قال : حدثنا محمد بن طلحة التيمي قال : حدثنا أبو سهل نافع بن مالك ، عن عن سعيد بن المسيب ، قال : سعد بن أبي وقاص ، أجود قريش كفا ، وأوصلها [رحما ] العباس بن عبد المطلب . قال [ ص: 814 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم : هذا
وروى عن ابن أبي الزناد ، أبيه ، عن الثقة - أن لم يمر العباس بن عبد المطلب ولا بعمر وهما راكبان إلا نزلا حتى يجوز بعثمان العباس إجلالا له ، ويقولان : عم النبي صلى الله عليه وسلم .
وروى ابن العباس ، أن وأنس بن مالك كان إذا قحط عمر بن الخطاب أهل المدينة استسقى بالعباس .
قال وكان سبب ذلك أن الأرض أجدبت إجدابا شديدا على عهد أبو عمر : زمن الرمادة ، سنة سبع عشرة ، فقال عمر كعب : يا أمير المؤمنين ، إن بني إسرائيل كانوا إذا أصابهم مثل هذا استسقوا بعصبة الأنبياء ، فقال هذا عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصنو أبيه ، وسيد عمر : بني هاشم ، فمشى إليه وشكا إليه ما فيه الناس [من القحط ] ، ثم صعد المنبر ومعه عمر ، العباس ، فقال : اللهم إنا قد توجهنا إليك بعم نبينا وصنو أبيه ، فاسقنا الغيث ، ولا تجعلنا من القانطين ، ثم قال يا عمر : قم فادع . فقام أبا الفضل ، العباس . فقال بعد حمد الله تعالى والثناء عليه : اللهم إن عندك سحابا ، وعندك ماء ، فانشر السحاب ، ثم أنزل الماء منه علينا ، فاشدد به الأصل ، وأدر به الضرع ، اللهم إنك لم تنزل بلاء إلا بذنب ، ولم تكشفه إلا بتوبة ، وقد توجه القوم إليك ، فاسقنا الغيث ، اللهم شفعنا في أنفسنا وأهلينا ، اللهم إنا شفعنا بمن لا ينطق من بهائمنا وأنعامنا ، اللهم [ ص: 815 ] اسقنا سقيا وادعا نافعا ، طبقا سحا عاما ، اللهم إنا لا نرجو إلا إياك ، ولا ندعو غيرك ، ولا نرغب إلا إليك ، اللهم إليك نشكو جوع كل جائع ، وعري كل عار ، وخوف كل خائف ، وضعف كل ضعيف . . . في دعاء كثير .
وهذه الألفاظ كلها لم تجئ في حديث واحد ، ولكنها جاءت في أحاديث جمعتها واختصرتها ، ولم أخالف شيئا منها . وفي بعضها : فسقوا والحمد لله . وفي بعضها قال : فأرخت السماء عزاليها ، فجاءت بأمثال الجبال ، حتى استوت الحفر بالآكام ، وأخصبت الأرض ، وعاش الناس .
قال هذا والله الوسيلة إلى الله عز وجل والمكان منه . أبو عمر :
وقال في ذلك : حسان بن ثابت
سأل الإمام وقد تتابع جدبنا فسقى الغمام بغرة العباس
عم النبي وصنو والده الذي ورث النبي بذاك دون الناس
أحيا الإله به البلاد فأصبحت مخضرة الأجناب بعد الياس
بعمي سقى الله الحجاز وأهله عشية يستسقي بشيبته عمر
توجه بالعباس في الجدب راغبا فما كر حتى جاء بالديمة المطر
ثم قام العباس وعيناه تنضحان ، فطالع ثم قال : اللهم أنت الراعي لا تهمل الضالة ، ولا تدع الكسير بدار مضيعة ، فقد ضرع الصغير ، ورق الكبير ، وارتفعت الشكوى ، وأنت تعلم السر وأخفى ، اللهم فأغثهم بغياثك من قبل أن يقنطوا فيهلكوا ، فإنه لا ييأس من روحك إلا القوم الكافرون . فنشأت طريرة من سحاب ، فقال الناس : ترون ترون! ثم تلاءمت واستتمت ومشت فيها ريح ، ثم هرت ودرت ، فوالله ما يرحوا حتى اعتلوا الجدار ، وقلصوا المآزر ، وطفق الناس بالعباس يمسحون أركانه ، ويقولون : هنيئا لك ساقي عمر ، الحرمين .
قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرفون ابن شهاب : فضله ، ويقدمونه ويشاورونه ويأخذون برأيه ، واستسقى به للعباس فسقي . عمر
وقال الحسن بن عثمان : كان العباس جميلا أبيض بضا ذا ضفيرتين ، معتدل القامة . وقيل : بل كان طوالا .
وروى عن ابن عيينة عمرو بن دينار ، عن جابر . قال : أردنا أن نكسو العباس حين أسر يوم بدر ، فما أصبنا قميصا يصلح عليه إلا قميص عبد الله بن أبي .
وتوفي العباس بالمدينة يوم الجمعة لاثنتي عشرة ليلة خلت من رجب . وقيل [ ص: 817 ] .
بل من رمضان سنة اثنتين وثلاثين قبل قتل بسنتين ، وصلى عليه عثمان ودفن عثمان بالبقيع ، وهو ابن ثمان وثمانين سنة . وقيل ابن تسع وثمانين . أدرك في الإسلام اثنتين وثلاثين سنة وفي الجاهلية ستا وخمسين سنة .
وقال كانت خليفة بن خياط : العباس سنة ثلاث وثلاثين ، ودخل قبره ابنه وفاة عبد الله بن عباس .