الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                              صفحة جزء
                                                              1958 - عمرو بن معد يكرب الزبيدي.

                                                              يكنى أبا ثور،
                                                              قدم على رسول الله [ ص: 1202 ] صلى الله عليه وسلم في وفد زبيد فأسلم، وذلك في سنة تسع. وقال الواقدي:

                                                              في سنة عشر. وقد روى عن ابن إسحاق بعض أهل المغازي مثل ذلك.

                                                              وذكر الطبري، عن ابن حميد، عن سلمة، عن ابن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر: قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن معد يكرب في وفد زبيد فأسلم، وذكر له خبرا طويلا مع قيس بن المكشوح.

                                                              قال أبو عمر: أقام بالمدينة برهة، ثم شهد عامة الفتوح بالعراق، وشهد مع أبي عبيد بن مسعود، ثم شهد مع سعد، وقتل يوم القادسية. وقيل:

                                                              بل مات عطشا يومئذ، وكان فارس العرب مشهورا بالشجاعة، يقال في نسبه: عمرو بن معد يكرب بن عبد الله بن عمرو بن عاصم بن عمرو بن زبيد الأصغر، وهو منبه بن ربيعة بن سلمة بن مازن بن ربيعة بن منبه بن زبيد الأكبر بن الحارث بن صعب بن سعد العشيرة بن مذحج بن أدد بن زيد بن كهلان بن سبأ.

                                                              وقيل: بل مات عمرو بن معد يكرب سنة إحدى وعشرين بعد أن شهد وقعة نهاوند مع النعمان بن مقرن، وشهد فتحها، وقاتل يومئذ حتى كان الفتح، وأثبتته الجراحات يومئذ، فحمل فمات بقرية من قرى نهاوند يقال لها روذة فقال بعض شعرائهم:

                                                              [ ص: 1203 ]

                                                              لقد غادر الركبان يوم تحملوا بروذة شخصا لا جبانا ولا غمرا     فقل لزبيد بل لمذحج كلها
                                                              رزئتم أبا ثور قريعكم عمرا



                                                              من حديثه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم التلبية: لبيك اللهم، لبيك، لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك، والملك لا شريك لك   ... في حديث طويل ذكره.

                                                              قال شرحبيل بن القعقاع: سمعت عمرو بن معد يكرب يقول: لقد رأيتنا من قريب ونحن إذا حججنا في الجاهلية نقول:


                                                              لبيك تعظيما إليك عذرا     هذي زبيد قد أتتك قسرا
                                                              تعدو بها مضمرات شزرا     يقطعن خبتا وجبالا وعرا
                                                              قد تركوا الأوثان خلوا صفرا



                                                              فنحن والحمد لله نقول اليوم كما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم،
                                                               
                                                              فذكره.

                                                              أنبأنا خلف بن قاسم، حدثنا الحسن بن رشيق، حدثنا محمد بن رمضان بن شاكر، حدثنا محمد بن عبد الله بن الحكم، حدثنا الشافعي، قال: وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب، وخالد بن سعيد بن العاص رضي الله عنهما إلى اليمن، وقال: إذا اجتمعتما فعلي أمير، وإن افترقتما فكل واحد منكما أمير، فاجتمعا، وبلغ عمرو بن معد يكرب [ ص: 1204 ] مكانهما، فأقبل في جماعة من قومه، فلما دنا منهما قال: دعوني حتى آتي هؤلاء القوم، فإني لم أسم لأحد قط إلا هابني، فلما دنا منهما نادى:

                                                              أنا أبو ثور، أنا عمرو بن معد يكرب. فابتدراه علي وخالد، وكلاهما يقول لصاحبه: خلني وإياه ويفديه بأبيه وأمه. فقال عمرو إذ سمع قولهما:

                                                              العرب تفزع مني ، وأراني لهؤلاء جزرا ، فانصرف عنهما.
                                                              وكان عمرو بن معد يكرب شاعرا محسنا، ومما يستحسن من شعره قوله:


                                                              إذا لم تستطع شيئا فدعه     وجاوزه إلى ما تستطيع



                                                              وشعره هذا من مذهبات القصائد أوله:


                                                              أمن ريحانة الداعي السميع     يؤرقني وأصحابي هجوع



                                                              ومما يستجاد أيضا من شعره قوله:


                                                              أعاذل عدتي بدني ورمحي     وكل مقلص سلس القياد
                                                              أعاذل إنما أفنى شبابي     إجابتي الصريخ إلى المنادي
                                                              مع الأبطال حتى سل جسمي     وأقرح عاتقي حمل النجاد
                                                              ويبقى بعد حلم القوم حلمي     ويفنى قبل زاد القوم زادي



                                                              وفيها [يقول] :


                                                              تمنى أن يلاقيني قييس     وددت فأينما مني ودادي
                                                              [ ص: 1205 ] فمن ذا عاذري من ذي سفاه     يرود بنفسه شر المراد
                                                              أريد حياته ويريد قتلي     عذيرك من خليلك من مراد



                                                              في أبيات له كثيرة من هذه. وتروى هذه الأبيات لابن دريد بن الصمة أيضا، وهي لعمرو بن معد يكرب أكثر وأشهر. والله أعلم.

                                                              أخبرنا أحمد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن علي، حدثنا أبي، حدثنا عبد الله بن يونس، حدثنا بقي، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا ابن عيينة، عن عبد الملك بن عمير، قال: كتب عمر إلى النعمان بن مقرن استشر واستعن في حربك بطليحة وعمرو بن معد يكرب، ولا تولهما من الأمر شيئا، فإن كل صانع هو أعلم بصناعته.

                                                              التالي السابق


                                                              الخدمات العلمية