باب لبيد
2233 - لبيد بن ربيعة العامري الشاعر.
أبو عقيل، قدم على النبي صلى الله عليه وسلم سنة وفد قومه بنو جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، فأسلم وحسن إسلامه، وهو لبيد بن ربيعة بن عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة. روى عن عبد الملك بن عمير، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أبي هريرة، لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل أصدق كلمة قالها الشاعر كلمة وهو شعر حسن. وفي هذه القصيدة ما يدل على أنه قالها في الإسلام. والله أعلم، وذلك قوله:
وكل امرئ يوما سيعلم سعيه إذا كشفت عند الإله المحاصل
وقد قال أكثر أهل الأخبار: إن لبيدا لم يقل شعرا منذ أسلم. وقال بعضهم: لم يقل في الإسلام إلا قوله:
الحمد لله إذ لم يأتني أجلي حتى اكتسيت من الإسلام سربالا
وقد قيل: إن هذا البيت لقردة بن نفاثة السلولي، وهو أصح عندي، وسيأتي في موضعه من كتابنا هذا إن شاء الله تعالى. وقال غيره: بل البيت الذي قاله في الإسلام قوله:
ما عاتب المرء الكريم كنفسه والمرء يصلحه القرين الصالح
وذكر وغيره أن المبرد لبيد بن ربيعة العامري الشاعر كان شريفا في الجاهلية والإسلام، وكان قد نذر ألا تهب الصبا إلا نحر وأطعم، ثم نزل [ ص: 1336 ] الكوفة، فكان إذا هبت الصبا يقول: أعينوا المغيرة بن شعبة أبا عقيل على مروءته، وليس هذا في خبر وفي خبر المبرد. أن الصبا هبت يوما وهو المبرد بالكوفة مقتر مملق، فعلم بذلك الوليد بن عقبة بن أبي معيط - وكان أميرا عليها لعثمان، فخطب الناس، فقال: إنكم قد عرفتم نذر أبي عقيل، وما وكد على نفسه، فأعينوا أخاكم. ثم نزل فبعث إليه بمائة ناقة، وبعث إليه الناس، فقضى نذره. وفي خبر غير فاجتمعت عنده ألف راحلة، وكتب إليه المبرد: الوليد:
أرى الجزار يشحذ شفرتيه إذا هبت رياح أبي عقيل
أغر الوجه أبيض عامري طويل الباع كالسيف الصقيل
وفى ابن الجعفري بحلفتيه على العلات والمال القليل
بنحر الكوم إذ سحبت عليه ذبول صبا تجاوب بالأصيل
قال: فلما أتاه الشعر - وكان قد ترك قول الشعر - قال لابنته: أجيبيه، فقد رأيتني وما أعيا بجواب شاعر، فأنشأت تقول:
إذا هبت رياح أبي عقيل دعونا عند هبتها الوليدا
أشم الأنف أصيد عبشميا أعان على مروءته لبيدا
بأمثال الهضاب كأن ركبا عليها من بني حام قعودا
أبا وهب جزاك الله خيرا نحرناها وأطعمنا الثريدا
فعد إن الكريم له معاد وظني يا ابن أروى أن يعودا
ثم عرضت الشعر على أبيها، فقال: أحسنت لولا أنك استزدته. فقالت:
والله ما استزدته إلا لأنه ملك، ولو كان سوقة لم أفعل.
[ ص: 1337 ] وقالت رحم الله عائشة: لبيدا حيث يقول:
ذهب الذين يعاش في أكنافهم وبقيت في خلف كجلد الأجرب
لا ينفعون ولا يرجى خيرهم ويعاب قائلهم وإن لم يطرب
ويروى: وإن لم يشغب. قلت: فكيف لو أدرك زماننا هذا.
ولبيد بن ربيعة، وعلقمة بن علاثة العامريان، من المؤلفة قلوبهم، وهو معدود في فحول الشعراء المجودين المطبوعين. ومما يستجاد من شعره قوله في قصيدته التي يرثي بها أخاه [أربد]:
أعاذل ما يدريك إلا تظنيا إذا رحل السفار من هو راجع
أتجزع مما أحدث الدهر للفتى وأي كريم لم تصبه القوارع
لعمرك ما تدري الضوارب بالحصى ولا زاجرات الطير ما الله صانع
وما المرء إلا كالشهاب وضوءه يحور رمادا بعد إذ هو ساطع
وما البر إلا مضمرات من التقى وما المال إلا معمرات ودائع
فقال له يوما: يا عمر بن الخطاب أبا عقيل، أنشدني شيئا من شعرك. فقال: ما كنت لأقول شعرا بعد أن علمني الله البقرة وآل عمران، فزاده في عطائه خمسمائة، وكان ألفين، فلما كان في زمن عمر قال له معاوية هذان الفودان فما بال العلاوة؟ يعني بالفودين الألفين وبالعلاوة الخمسمائة - وأراد أن يحطها، فقال: أموت الآن، فتبقى لك العلاوة والفودان. معاوية:
فرق له، وترك عطاءه على حاله، فمات بعد ذلك بيسير. وقد قيل: إنه مات بالكوفة أيام الوليد بن عقبة في خلافة وهو أصح، فبعث عثمان، الوليد [ ص: 1338 ] إلى منزله عشرين جزورا فنحرت عنه. وقال الشعبي لعبد الملك: بل تعيش يا أمير المؤمنين ما عاش لبيد بن ربيعة، وذلك أنه لما بلغ سبعا وسبعين سنة أنشأ يقول:
باتت تشكي إلي النفس مجهشة وقد حملتك سبعا بعد سبعينا
فإن تزادي ثلاثا تبلغي أملا وفي الثلاث وفاء للثمانينا
ثم عاش حتى بلغ تسعين سنة، فأنشأ يقول:
كأني وقد جاوزت تسعين حجة خلعت بها عن منكبي ردائيا
ثم عاش حتى بلغ مائة حجة وعشرا، فأنشأ يقول:
أليس في مائة قد عاشها رجل وفي تكامل عشر بعدها عمر
ثم عاش حتى بلغ مائة وعشرين سنة، فأنشأ يقول:
ولقد سئمت من الحياة وطولها وسؤال هذا الناس كيف لبيد!