ويقال لهيب. روى خبرا عجيبا في الكهانة وأعلام النبوة، رأيت أن أذكره لما فيه من ذلك، قال لهيب:
حضرت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت عنده الكهانة، فقلت: بأبي وأمي! نحن أول من عرف حراسة السماء، وزجر الشياطين، ومنعهم من استراق السمع عند قذف النجوم، وذلك أنا اجتمعنا إلى كاهن لنا يقال له خطر بن مالك، وكان شيخا كبيرا قد أتت عليه مائتا سنة وثمانون سنة، وكان من أعلم كهاننا، فقلنا: يا خطر، هل عندكم من علم هذه النجوم التي يرمى بها، فإنا قد فزعنا لها وخفنا سوء عاقبتها، فقال:
عودوا إلي السحر إيتوني بسحر أخبركم الخبر
ألخير أم ضرر أو لأمن أو حذر
قال: فانصرفنا يومنا، فلما كان في غد في وجه السحر أتيناه، فإذا هو قائم على قدميه شاخص في السماء بعينه، فناديناه يا خطر، فأومى إلينا أن أمسكوا، فأمسكنا فانقض نجم عظيم من السماء، وصرخ الكاهن رافعا صوته:
أصابه أصابه خامره عقابه
عاجله عذابه أحرقه شهابه
زايله جوابه [ ص: 1342 ] يا ويله ما حاله
بلبله بلباله عاوده خباله
فقطعت حباله وغيرت أحواله
ثم أمسك طويلا، وهو يقول:
يا معشر بني قحطان أخبركم بالحق والبيان
أقسمت بالكعبة والأركان والبلد المؤمن السدان
قد منع السمع عتاة الجان بثاقب بكف ذي سلطان
من أجل مبعوث عظيم الشان يبعث بالتنزيل والقرآن
وبالهدى وفاصل الفرقان تبطل به عبادة الأوثان
أرى لقومي ما أرى لنفسي إن تتبعوا خير نبي الإنس
برهانه مثل شعاع الشمس يبعث في مكة دار الحمس
بمحكم التنزيل غير اللبس
فقلنا له: يا خطر، وممن هو؟ فقال: والحياة والعيش، إنه لمن قريش، ما في حلمه طيش، ولا في خلقه طيش، يكون في جيش، وأي جيش، من آل قحطان وآل أيش.
فقلنا: بين لنا من أي قريش هو؟ فقال: والبيت ذي الدعائم. والركن [ ص: 1343 ] والأحائم. إنه لمن نجل هاشم. من معشر أكارم. يبعث بالملاحم. وقتل كل ظالم.
ثم قال: هذا هو البيان. أخبرني به رئيس الجان.
ثم قال: الله أكبر. جاء الحق وظهر. وانقطع عن الجن الخبر.
ثم سكت وأغمي عليه، فما أفاق إلا بعد ثلاثة، فقال: لا إله إلا الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سبحان الله، لقد نطق على مثل نبوة، وإنه ليبعث يوم القيامة أمة وحده. وذكر هذا الخبر في كتاب الصحابة له، فقال: أخبرنا أبو جعفر العقيلي عبد الله بن أحمد البلوي المدني، قال: أخبرني عمارة بن يزيد، قال: حدثني عبيد الله بن العلاء، عن أبي الشعشاع زنباع بن الشعشاع، قال: حدثني أبي، عن لهيب بن مالك الليثي، قال: حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرت عنده الكهانة . . . وساق الحديث إلى آخره.
قال إسناد هذا الحديث ضعيف، ولو كان فيه حكم لم أذكره، لأن رواته مجهولون، أبو عمر: وعمارة بن زيد متهم بوضع الحديث، ولكنه في معنى حسن من أعلام النبوة، والأصول في مثله لا تدفعه، بل تصححه وتشهد له ، والحمد لله. [ ص: 1344 ]