الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                              صفحة جزء
                                                              باب خبيب

                                                              632 - خبيب بن عدي الأنصاري، من بني جحجبى بن عوف بن كلفة بن عوف بن عمرو بن عوف الأنصاري، شهد بدرا، وأسر يوم الرجيع في السرية التي خرج فيها مرثد بن أبي مرثد، وعاصم بن ثابت بن أبي الأقلح، وخالد بن البكير في سبعة نفر فقتلوا، وذلك في سنة ثلاث، وأسر خبيب وزيد بن الدثنة، وانطلق المشركون بهما إلى مكة فباعوهما، فاشترى خبيبا بنو الحارث بن عامر بن نوفل، وكان خبيب قد قتل الحارث بن عامر يوم بدر، كذا قال معمر عن ابن شهاب: إن بني الحارث بن عامر بن نوفل ابتاعوا خبيبا.

                                                              وقال ابن إسحاق: وابتاع خبيبا حجير بن أبي إهاب التميمي حليف لهم، وكان حجير أخا الحارث بن عامر لأبيه فابتاعه لعقبة بن الحارث ليقتله بأبيه.

                                                              قال ابن شهاب: فمكث خبيب عندهم أسيرا حتى إذا اجتمعوا على قتله استعار موسى من إحدى بنات الحارث ليستحد بها، فأعارته. قالت: فغفلت عن صبي لي، فدرج إليه حتى أتاه. قالت: فأخذه فوضعه على فخذه، فلما رأيته فزعت فزعا عرفه في ، والموسى في يده. فقال: أتخشين أن أقتله؟ ما كنت لأفعل إن شاء الله. قال: فكانت تقول: ما رأيت أسيرا خيرا من خبيب، لقد رأيته يأكل من قطف عنب وما بمكة يومئذ من حديقة، وإنه لموثق في الحديد، وما كان إلا رزقا آتاه الله إياه. قال: ثم خرجوا به من الحرم ليقتلوه، فقال: دعوني أصلي ركعتين. ثم قال: لولا أن يروا أن ما بي من جزع من الموت لزدت [ ص: 441 ] .

                                                              قال: فكان أول من صلى ركعتين عند القتل [هو] ، ثم قال: اللهم أحصهم عددا، [واقتلهم بددا، ولا تبق منهم أحدا] ، ثم قال:


                                                              فلست أبالي حين أقتل مسلما على أي جنب كان في الله مصرعي     وذلك في ذات الإله وإن يشأ
                                                              يبارك على أوصال شلو ممزع

                                                              قال: ثم قام إليه عقبة بن الحارث فقتله. هذا كله فيما ذكره ابن هشام عن عمرو [بن أبي سفيان] الثقفي، عن أبي هريرة.

                                                              وذكر ابن إسحاق قال: وقال خبيب حين صلبه :


                                                              لقد جمع الأحزاب حولي وألبوا     قبائلهم واستجمعوا كل مجمع
                                                              وقد قربوا أبناءهم ونساءهم     وقربت من جذع طويل ممنع
                                                              وكلهم يبدي العداوة جاهدا     علي، لأني في وثاق بمضيع
                                                              إلى الله أشكو غربتي بعد كربتي     وما جمع الأحزاب لي عند مصرعي
                                                              فذا العرش صبرني على ما أصابني     فقد بضعوا لحمي وقد ضل مطمعي
                                                              وذلك في ذات الإله وإن يشأ     يبارك على أوصال شلو ممزع
                                                              وقد عرضوا بالكفر والموت دونه     وقد ذرفت عيناي من غير مدمع
                                                              وما بي حذار الموت، إني لميت     ولكن حذاري حر نار تلفع
                                                              فلست بمبد للعدو تخشعا     ولا جزعا إني إلى الله مرجعي
                                                              ولست أبالي حين أقتل مسلما     على أي حال كان في الله مصرعي

                                                              [ ص: 442 ] وصلب بالتنعيم ، وكان الذي تولى صلبه عقبة بن الحارث وأبو هبيرة العبدري ، وذكر من الركعتين نحو ما ذكر ابن شهاب، قال: وقال عبد الله ابن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم: هو أول من سن الركعتين عند القتل.

                                                              وذكر الزبير قال: حدثنا إسماعيل بن أبي أويس قال: حدثني إسماعيل ابن إبراهيم بن عقبة [بن الحارث بن نوفل] عن عمه موسى بن عقبة، عن ابن شهاب أن عقبة بن الحارث بن نوفل اشترى خبيب بن عدي من بني النجار، وكان خبيب قد قتل أباه يوم بدر، قال: واشترك في ابتياع خبيب فيما زعموا أبو إهاب ابن عزير، وعكرمة بن أبي جهل، والأخنس بن شريق، وعبيدة بن حكيم بن الأوقص، وأمية بن أبي عتبة، وبنو الحضرمي، وصفوان بن أمية بن خلف، وهم أبناء من قتل من المشركين يوم بدر، ودفعوه إلى عقبة بن الحارث، فسجنه في داره، وكانت امرأة عقبة تقوته وتفتح عنه وتطعمه، وقال لها: إذا أرادوا قتلي فآذنيني. فلما أرادوا قتله آذنته، فقال لها: أعطيني حديدة أستحد بها، فأعطته موسى، فقال - وهو يمزح: قد أمكن الله منكم، فقالت: ما كان هذا ظني بك، فطرح الموسى، وقال: إنما كنت مازحا.

                                                              وروى عمرو بن أمية الضمري، قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خبيب بن عدي لأنزله من الخشبة، فصعدت خشبته ليلا، فقطعت عنه وألقيته، فسمعت وجبة خلفي، فالتفت فلم أر شيئا. روى سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن جابر أنه سمع يقول الذي قتل خبيبا أبو سروعة عقبة بن الحارث بن نوفل [ ص: 443 ] .

                                                              التالي السابق


                                                              الخدمات العلمية