وقال في حديث أبو سليمان أبي الأسود: "أن أعرابيا وقف عليه وهو يأكل تمرا، فقال: شيخ هم غابر ماضين ووافد محتاجين، أكلني الفقر، ورذلني الدهر ضعيفا مسيفا، فناوله تمرة، فضرب بها وجهه، وقال: جعلها الله حظك من حظك عنده".
حدثنيه محمد بن علي بن إسماعيل، أخبرنا محمد بن دريد، أنا أبو عثمان الأشنانداني قال: أنا به التوزي.
من أساف الرجل إذا ذهب ماله، وأصله من السواف؛ وهو داء يصيب الإبل فيهلكها، مضمومة السين مثل القلاب والكباد. قوله: مسيفا:
وكان يقول: هو السواف، بفتح السين، قال: وجاء هذا شاذا خارجا عن قياس أخواته، وذلك أن الأدواء كلها جاءت على وزن فعال، وقد يستعار ذلك في غير الإبل فيقال: أساف الرجل، إذا هلك أهله. أبو عمرو الشيباني
أخبرني ابن الزئبقي، أخبرنا أبي: أحمد بن عمرو الزئبقي، أخبرنا أبي، أخبرنا قال: كنت يوما في منزلي فأتاني رجل، فقال: تركت في سوق الصيارفة أعرابيا يسأل لم أر أفصح منه، فقمت وأنا أجر ثوبي حتى [ ص: 61 ] أتيت السوق، فإذا به قائما يسأل، فوجأت في صدره فقلت: من أنت؟ قال: أنا الأصمعي عكاف بن رؤيبة، أبوت عشرة وأخوت عشرة، كنت مقنعا للهمة ومفزعا للملمة، فانباق علي الدهر بكلكله متحيفا إخوتي واحدا فواحدا، حتى أساف رجاليه، وأباد ماليه، فقرع مراحي، وفنيت أوضاحي، ومككتني السنون، وحدجتني بالمذلة العيون، فرحم الله من أعان أخا جهد وشصاص وحاجة ولأواء، نعشكم الله بإسباغ الرزق، واصطناع العرف".
قال: وإذا هو أبو فرعون الأعرابي.
قوله: انباق علي الدهر بكلكله، أي: وطئني بثقله، وأصابني بمكروهه، وأصله من البوق، يقال: باقته بائقة، إذا نزلت به نازلة شديدة، ويقال: إن أصل البوق كثرة المطر.
وقوله: متحيفا إخوتي: أي متتبعا لهم، يأتيهم من نواحيهم، فيهلكهم، وأصله من الحافة وهي الناحية، يقال: حافة الوادي: أي: ناحيته، وقد يكون التحيف من الحيف أيضا.
وقوله: قرع مراحي: أي: صفر وخلا من الغنم، والعرب تقول في دعائها: اللهم إنا نعوذ بك من قرع الفناء وصفر الإناء.
والأوضاح: جمع الوضح، وهو الدراهم الصحاح، والوضح أيضا حلي من فضة، وجمع على الأوضاح.
وقوله: مككتني السنون، أي: جهدتني، والأصل في ذلك أن يستقصي [ ص: 62 ] الجدي ما في الضرع من اللبن، يقال: مك الجدي ضرع أمه وامتكه وامتككت المخة: إذا مصصتها.
وقوله: حدجتني بالمذلة العيون: أي: رمتني أبصار الناظرين بالذل، والشصاص: الضيق والشدة، ويقال: إنه لفي شصاصاء: أي في شدة وضيق.
[ ص: 63 ]