أخبرناه نا محمد بن هاشم، عن الدبري، عن عبد الرزاق، عن معمر، ثابت، عن أنس.
من إسعاد النساء في المناحات، وهو أن تقوم المرأة في المأتم، فتقوم معها أخرى، فيقال: قد أسعدتها وهي مسعدة. قوله: "لا إسعاد"
ويروى في حديث آخر: "أن امرأة أتت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله، إن فلانة أسعدتني أفأسعدها؟ فقال: لا، ونهى عن النياحة". فالإسعاد خاص في هذا المعنى، كقول الشاعر:
ألا يا عين ويحك أسعديني
[ ص: 369 ] وكقول الأحوص:
بكيت الهوى جهدي فمن شاء لامني ومن شاء آسى في البكاء وأسعدا
فأما المساعدة فهي عامة في كل معونة. ويقال: إنها مأخوذة من وضع الرجل يده على ساعد صاحبه، إذا تماشيا في حاجة.
وقوله: "لا عقر" فهو ما كان عليه أهل الجاهلية من عقر الإبل على قبور الموتى، كانوا إذا مات الرجل الشريف الجواد عقروا عند قبره، وكانوا يقولون: إن صاحب القبر كان يعقرها للأضياف يقريهم أيام حياته، فيكافأ عليه بمثل صنيعه، ويقال: إنما كانوا يعقرونها لتطعمها السباع والطير عند قبره فيدعى مطعما حيا وميتا، ويقال: بل كان من مذهبهم أن صدى الميت يصيب من ذلك الطعام، وذلك من ترهات الجاهلية، وقد تتابع الشعراء في هذا، فقال بعضهم ومر على قبر النجاشي فعقر ناقته:
نحرت على قبر النجاشي ناقتي بأبيض عضب أخلصته صياقله
على قبر من لو أنني مت قبله لهانت عليه عند قبري رواحله
وقال ومر بقبر حسان بن ثابت، ربيعة بن مكدم:
لا يبعدن ربيعة بن مكدم وسقى الغوادي قبره بذنوب
نفرت قلوصي من حجارة حرة بنيت على طلق اليدين وهوب
لولا السفار وبعد خرق مهمه لتركتها تحبو على العرقوب
وقال زياد الأعجم يرثي المغيرة بن المهلب أنشدنيه أبو عمر:
إن السماحة والمروءة ضمنا قبرا بمرو على الطريق الواضح
[ ص: 370 ] فإذا مررت بقبره فاعقر به كوم الهجان وكل طرف سابح
ومثله كثير.
وكان من مذاهبهم أن يعمدوا إلى راحلة الميت فيعقلوها على قبره، لا يسقونها حتى تهلك عطشا، وكانوا يسمونها البلية، قال الشاعر:
كالبلايا رؤوسها في الولايا مانحات السموم حر الخدود
والولايا: البراذع واحدتها ولية، كانوا يعلقونها في أعناقها، وكان من تأويلهم في ذلك أن صاحبها يحشر في القيامة عليها، وأن من لم يفعل به ذلك بعد موته حشر ماشيا، وكان هذا صنيع من يؤمن بالبعث منهم، ورووا في هذا لخزيمة بن أشيم الفقعسي أنه أوصى ابنه سعدا عند موته فقال:
يا سعد، إما أهلكن فإنني أوصيك إن أخا الوصاة الأقرب
لا أعرفن أباك يحشر بعدكم نقبا يخر على اليدين وينكب
واحمل أباك على بعير صالح وتق الخيانة إن ذلك أصوب
فلقل لي مما جمعت مطية في الحشر أركبها إذا قيل اركبوا
فأما الحديث في "معاقرة الأعراب" فهي أن يتبارى الرجلان [ ص: 371 ] فيعقر كل واحد منهما، يجاود به صاحبه، فأكثرهما عقرا أجودهما، نهي عن أكله؛ لأنه مما أهل به لغير الله.