أخبرناه نا ابن داسة، نا أبو داود، سليمان بن حرب، قالا: نا ومحمد بن عيسى حماد، عن أيوب، عن عن أبي قلابة، عن أبي المهلب، عمران بن حصين.
[ ص: 380 ]
فيه قولان: قوله: "نأخذك أخذت بجريرة حلفائك"
أحدهما: ما ذهب إليه وذكره في بعض كتبه، فقال: وذلك لأن المأخوذ مشرك مباح الدم والمال، ولما كان حبسه حلالا بغير جناية، جاز أن يحبس بجناية غيره لاستحقاقه ذلك بنفسه. الشافعي
والقول الآخر: ما ذهب إليه بعض أهل العلم، حدثني الحسن بن يحيى، عن ابن المنذر قال: قال بعض أهل العلم: قوله: "أخذت بجريرة حلفائك" دلالة أنه كان بينه وبينهم موادعة أو صلح، فنقضت ثقيف الموادعة والصلح، وترك بنو عقيل الإنكار عليهم ومنعهم من صنيعهم ذلك، فصاروا كأنهم نقضوا العهد.
قال وفيه وجه ثالث: وهو أن يكون معناه: أخذت لتدفع بك جريرة حلفائك من أبو سليمان: ثقيف، وأضمره في الكلام كقوله:
من شاء دلى النفس في هوة ضنك ولكن من له بالمضيق
يريد من له بالخروج من المضيق، ويدل على صحة هذا التأويل قوله: ففدي بعد بالرجلين. والمعنى أخذت ليستنقذ بك من أسرته ثقيف.
معناه: لو أسلمت قبل الإسار أفلحت الفلاح التام بأن تكون مسلما حرا، وذلك أنه إذا أسر كافرا كان عبدا وإن أسلم، فأما فداؤه إياه بالرجلين ورده إلى دار الكفر بعد إظهاره كلمة الإسلام فإن هذا المعنى خاص للنبي -صلى الله عليه وسلم-، [ ص: 381 ] وذلك أنه قد علم أنه غير صادق في قوله، وأنه إنما أظهر كلمة الإسلام رغبة أو رهبة، ألا تراه يقول حين استطعمه واستسقاه: هذه حاجتك، فأما اليوم فقد انقطع الوحي، ولا سبيل إلى علم ما في الضمائر؛ فمن أظهر الإسلام قبل منه، ووكلت سريرته إلى ربه. وقوله: "لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح"
فأما حديثه الآخر ثمامة بن أثال فأبى أن يسلم قصرا، فأعتقه فأسلم" . "أنه أسر
حدثناه محمد بن المكي، أنا نا الصائغ، نا سعيد بن منصور، عن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، عن عبد الملك بن أبي سليمان، ففيه دليل على عطاء بن أبي رباح، أن للإمام أن يمن على الأسير من غير فداء ولا مال.
وقوله: "قصرا" معناه حبسا عليه وإجبارا يقال: قصرت نفسي على الشيء إذا حبستها عليه. ومن هذا قوله تعالى: حور مقصورات في الخيام أي: محبوسات على أزواجهن مخدرات.
ومنه حديث أسماء بنت عبيد الأشهلية "أنها أتت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله، إنا معشر النساء محصورات مقصورات، قواعد بيوتكم، وحوامل أولادكم، فهل نشارككم في الأجر؟ فقال النبي -صلى الله [ ص: 382 ] عليه وسلم-: "نعم إذا أحسنتن تبعل أزواجكن، وطلبتن مرضاتهم". ويقال: امرأة قصورة وقصيرة أي: مخدرة، أنشدني أبو عمر، أنشدنا عن ثعلب، ابن الأعرابي:
وأنت التي حببت كل قصيرة إلي ولم تعلم بذاك القصائر
عنيت قصيرات الحجال ولم أرد قصار الخطا شر النساء البهاتر
البهاتر: القصار، يقال للقصير: بهتر وبحتر.
وقال آخر:
أحب من النسوان كل قصيرة لها نسب في الصالحين قصير
أراد بالقصيرة المخدرة، وقصر نسبها أن تعرف بأول آبائها كقول رؤبة: أتيت النسابة البكري، فقال: من أنت؟ قلت: ابن العجاج، قال: قصرت وعرفت، فقال رؤبة:
قد نوه العجاج باسمي فادعني باسم إذا الأنساب طالت يكفني
وقد يحتمل أن يكون أراد قسر الغلبة والقهر، أبدل السين صادا.
وأخبرني أبو محمد الكراني، نا عبد الله بن شبيب، نا زكريا بن يحيى [ ص: 383 ] المنقري، نا قال: اختلف رجل من مضر ورجل من ربيعة، فقال المضري: السقر، وقال الربعي: الصقر، فأقبل رجل من الأصمعي قضاعة فأخبراه، فقال: لا أقول كما قلتما، إنما هو الزقر، وقد قرئ الصراط والسراط، وروي عن بعضهم الزراط، وهذه الحروف متقاربة في مخارجها من اللسان؛ فلذلك جرى فيها الإبدال.