الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
وقال أبو سليمان في حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أنه بعث رجلا على الصدقة، فجاءه بفصيل مخلول، أو محلول سيئ الحال مهزول، فقال: هذا من صدقة بني فلان، فقال: "لا بارك الله له في إبله"، فبلغ الرجل دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- فجاء بناقة كوماء يتلها، حتى انتهى بها إلى رسول الله، فتلها إليه، فدعا له فيه وفي إبله بالبركة".  

حدثناه الحسن بن يحيى بن صالح، عن علي بن عبد العزيز، عن أبي حذيفة، عن سفيان، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل بن حجر.

قوله: "فصيل مخلول:  هو المضرور المنهوك، يقال: رجل خل إذا كان بادي الضر والهزال، قال الشنفرى:


فاسقياني يا سواد بن عمرو إن جسمي بعد خالي لخل



[ ص: 388 ] وثوب خل، وهو الذي أخذ منه البلى. ومنه سمي الفقير خليلا. قال زهير:


وإن أتاه خليل يوم مسألة     يقول لا غائب مالي ولا حرم



وفيه وجه آخر: وهو أن يكون المخلول، هو الذي فطم حديثا، وذلك أنهم إذا أرادوا فطامه عمدوا إلى خلال، فشدوه فوق أنفه، وتركوه ناتئا منه حتى إذا أراد الرضاع، نخس الخلال ضرع الناقة فزبنته فيهزل عند ذلك الفصيل. وأما المحلول فهو الذي حل عن أوصاله اللحم فعري منه.

وقوله: "فتلها إليه"  معناه أناخها إليه من قولك: تللت الرجل إذا صرعته. قال الله تعالى: وتله للجبين . وكل شيء ألقيته على الأرض مما له جثة فقد تللته، ومنه سمي التل من التراب، قال حميد بن ثور يصف الظليم:


كأنه بالبيد لما أن دمج     مروق في الريح متلول الشرج



يريد حبالة رواق ملقى الشرج.

ومن هنا حديثه الآخر أنه قال: "أتيت بمفاتيح الأرض فتلت في يدي" . أي: ألقيت إلي، وتركت في يدي.

ومثله حديث سهل بن سعد الساعدي، حدثنيه خلف بن محمد، نا حامد بن سهل، نا أبو مصعب، نا مالك، عن أبي حازم بن دينار، عن سهل [ ص: 389 ] بن سعد: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم-: أتي بشراب فشرب منه، وعن يمينه غلام، وعن يساره الأشياخ، فقال للغلام: "أتأذن لي أن أعطي هؤلاء؟"، فقال: لا والله يا رسول الله، لا أوثر بنصيبي منك أحدا فتله رسول الله في يده"   .

والكوماء: المرتفعة السنام، يقال: كومت الشيء إذا جعلت بعضه فوق بعض، وكومت التراب إذا جمعته.

التالي السابق


الخدمات العلمية