الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
وقال أبو سليمان في حديث النبي صلى الله عليه أنه قال: "الناس كأسنان المشط، وإنما يتفاضلون بالعافية،  ولا خير في صحبة من لا يرى لك [ ص: 561 ] مثل الذي ترى له".

حدثناه الحسن بن يحيى بن صالح، نا محمد بن قتيبة العسقلاني، نا إبراهيم بن أيوب الحوراني، نا بكر بن سليم، حدثني ابن أبي حازم، عن أبيه، عن سهل بن سعد الساعدي.

قوله: "كأسنان المشط" مثل، والمعنى أنهم سواء في أصل الخلقة والجبلة، كما أن أسنان المشط سواء لا يفضل سن منها سنا. ويقال في وجه آخر: هم كأسنان الحمار، وذلك في الذم لا غير. قال الشاعر:


سواسية كأسنان الحمار



فأما قوله: الناس كإبل مائة لا تكاد تجد فيها راحلة، فمعناه أنهم متساوون في الحكم لا فضل لشريف على مشروف، ولا لرفيع على وضيع.

وقوله: "لا خير في صحبة من لا يرى لك مثل الذي ترى له"  يتأول على وجهين: أحدهما أن يكون حذره صحبة من يذهب بنفسه تيها وكبرا، فلا يرى لأحد على نفسه حقا.

والوجه الآخر أن يكون حثه بذلك على شكر العارفة والمكافأة على [ ص: 562 ] الإحسان كأنه قال: لا خير لك في صحبة من لا يرى لك عنده من الصنيعة مثل الذي تراه له عندك يريد: لا ترض بأن تكون مغمورا ببر من تصحبه حتى تنيله من برك مثل ما تنال من بره، وعلى هذا المعنى يتأول قول جرير بن الخطفي:


وإني لأستحيي أخي أن أرى له     علي من الحق الذي لا يرى ليا



التالي السابق


الخدمات العلمية