الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
وقال أبو سليمان في حديث النبي صلى الله عليه أن رجلا قال له: عليك السلام يا رسول الله، فقال: "لا تقل عليك السلام، عليك السلام تحية الميت، قل السلام عليك".  

حدثناه أحمد بن إبراهيم بن مالك، نا محمد بن أيوب، ثنا مسدد، ثنا [ ص: 692 ] يحيى، عن أبي غفار، حدثني أبو تميمة الهجيمي، عن أبي دريد، أو أبي جري، وهو الصواب.

قوله: "عليك السلام تحية الميت" إنما هو إشارة إلى ما كان تجري عليه عادتهم في تحية الموتى، وإخبار عن مذهبهم في ذلك وليس على جهة الأمر به والتعليم فيه، ألا تراه يقول حين دخل المقبرة: "السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون".

أخبرناه ابن داسة، نا أبو داود، ثنا القعنبي، عن مالك، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة: أن رسول الله قال ذلك، فجعل التسليم على الموتى كهو على الأحياء، وكانت العرب إذا أرادت تحية الميت قدمت اسمه على الدعاء والتسليم، وهو بين في الكلام والشعر، قال عبدة بن الطبيب:


عليك سلام الله قيس بن عاصم ورحمته إن شاء أن يترحما

وقال الشماخ:


عليك سلام من أمير وباركت     يد الله في ذاك الأديم الممزق

وكانت إذا أرادت تحية الحي قدمت لفظ السلام كقول لقيط الإيادي حين كتب إلى قومه ينذرهم بكسرى:

[ ص: 693 ]

سلام في الصحيفة من لقيط     إلى من بالجزيرة من إياد
بأن الليث كسرى قد أتاكم     فلا يحبسكم سوق النقاد

وكقول بعض الأعراب لابنه، وقد بعث به إلى بعض الأمراء يستميحه:


إذا جئت الأمير فقل سلام     عليك ورحمة الله الرحيم

وهكذا هو في كل دعاء بخير، وبه نطق كتاب الله جل وعز فقال: سلام على إل ياسين ، سلام على موسى وهارون . وقال في قصة إبراهيم: رحمت الله وبركاته عليكم أهل البيت . فأما الدعاء بالشر فقد جرت عادتهم فيه بتقديم اسم المدعو عليه غالبا كقولك: عليه لعنة الله وعليه غضب الله. قال الله تعالى: وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين . وقال في قصة الملاعنة: والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ، قال: عليهم دائرة السوء ، وقال زهير بن أبي سلمى:


تحمل أهلها عنها فبادوا     على آثار ما ذهب العفاء [ ص: 694 ]



ومثل هذا في الكلام كثير.

وفي التسليم لغتان.  يقال سلام عليكم، والسلام عليكم. ووقوع الألف واللام فيه بمعنى التفخيم.

أخبرني الرهني، أخبرني ابن كيسان قال: دخول الألف واللام في الأسماء على ثلاثة معان للتعريف والتجنيس والتعظيم. فالتعريف كقولك: الرجل والمرأة. والتجنيس. كقولك: الشاء خير من الإبل، والذهب خير من الفضة. والتعظيم كقولك: حسن بن علي وعباس بن عبد المطلب. ثم تقول الحسن بن علي والعباس بن عبد المطلب.

فيه لغة ثالثة. قال الفراء تقول العرب: سلم. بمعنى سلام، كما قالوا: حل وحلال وحرم وحرام. قال: وأنشدني بعض العرب:


وقفنا فقلنا إيه سلما فسلمت     كما انكل بالبرق الغمام اللوائح

وكانوا يستحسنون أن يقولوا في أول الكلام سلام عليك، بمعنى التحية، وفي آخره السلام عليك بمعنى الوداع الأول، كقول ذي الرمة:


أمنزلتي مي سلام عليكما     هل الأزمن اللائي مضين رواجع

والآخر كقول جرير:


يا أخت ناجية السلام عليكم     قبل الرحيل وقبل لوم العذل

وقال الشافعي: فيما روى الربيع بن سليمان عنه في تسليم المصلي: أقل ما يكفي المصلي من تسليمه أن يقول: السلام عليكم، فإن نقص من هذا [ ص: 695 ] حرفا، عاد فسلم. قال أبو سليمان : فيشبه على هذا أن يكون السلام في مذهبه اسما من أسماء الله تعالى، فلذلك لم ير حذف الألف واللام جائزا.

ويشهد لذلك حديث أخبرناه محمد بن هاشم، نا الدبري، عن عبد الرزاق، نا بشر بن رافع، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه: "إن السلام اسم من أسماء الله عز وجل، فأفشوه بينكم".

التالي السابق


الخدمات العلمية