وقال في حديث النبي صلى الله عليه أنه قال: أبو سليمان "أهل المعروف في الدنيا أهل المعروف في الآخرة " .
هذا حديث مشهور وتفسيره على وجوه منها: أن من بذل معروفه في الدنيا أناله الله معروفه في الآخرة. ومنها أن يراد بالمعروف خصوصا الشفاعة في المذنبين وذوي الزلات التي لا تبلغ الحدود. يقول: من تشفع للناس في الدنيا شفعه الله في المذنبين في الآخرة، فيكون وجيها عند الله، كما كان وجيها عند خلقه. وقد روي هذا الوجه عن بعض السلف. [ ص: 156 ] ومن هذا الباب حديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أبي موسى الأشعري . "اشفعوا إلي فلتؤجروا وليقض الله على لسان نبيه ما شاء"
وفيه وجه آخر ذكره قال سألت أبو العباس ثعلب عن هذا فقال يروى عن ابن الأعرابي أنه قال يأتي أصحاب المعروف في الدنيا يوم القيامة فيغفر لهم بمعروفهم وتبقى حسناتهم جامة فيعطونها لمن زادت سيئاته على حسناته فيغفر له ربه عز وجل. الشعبي
والمعروف كل ما تعرفه النفوس وتستحسنه العقول من مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم وهي التي كانت لم تزل مستحسنة في كل زمان وعند أهل كل ملة فلا تزال كذلك لا يجري عليها النسخ ولا يجوز فيها التبديل وإلى هذا أشار النبي صلى الله عليه بقوله: يريد أن الحياء لم يزل مستحسنا في شرائع الأنبياء الأولين وأنه لم يرفع ولم ينسخ في جملة ما نسخ من شرائعهم. "إن مما بقي من كلام النبوة الأولى إذا لم تستحي فاصنع ما شئت"
وقوله: فاصنع ما شئت فيه وجهان أحدهما أن يكون معناه إخبارا كأنه قال: إذا لم تستحي صنعت ما شئت أي أتيت ما يقبح ولم تستحي ولم تبال به وإلى هذا أو نحوه أشار أبو عبيد.
ووجه آخر وهو أن يكون معناه اصنع ما شئت من أمر لا يستحيا منه أي ما يستحيا منه فلا تفعله.
وفيه وجه ثالث قاله وهو أن يكون معناه الوعيد كقوله: أبو العباس ثعلب اعملوا ما شئتم ومن المعروف حديث حدثناه أبي تميمة [ ص: 157 ] الهجيمي نا إسماعيل الصفار الدوري نا عبيد الله بن موسى نا عن إسرائيل أبي إسحاق عن أبي تميمة . أن أعرابيا أتى النبي صلى الله عليه فقال: أوصني فقال: "أوصيك أن لا تسب الناس ولا تزهد في معروف وإن استسقاك أخوك من دلوك فصب له والقه ووجهك منبسط إليه"
وفي غير هذه الرواية من طريق عن الجريري عن أبي السليل قال: سألته عن المعروف فقال: أبي تميمة قوله: تؤنس الوحشان فيه وجهان: أحدهما أن تلقاه بما يؤنسه من القول الجميل وإنما هو فعلان من الوحشة يقال رجل وحشان من قوم وحاشى. والوجه الآخر أنه أريد به المنقطع بأرض الفلاة المستوحش بها تحمله فتبلغه المكان الآنس الآهل والأول أشبه. "لا تحقرن شيئا من المعروف ولو بشسع النعل ولو أن تعطي الحبل ولو أن تؤنس الوحشان"