الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
وقال أبو سليمان في حديث النبي صلى الله عليه أنه قال: "أهل المعروف في الدنيا أهل المعروف في الآخرة "   .

هذا حديث مشهور وتفسيره على وجوه منها: أن من بذل معروفه في الدنيا أناله الله معروفه في الآخرة. ومنها أن يراد بالمعروف خصوصا الشفاعة في المذنبين وذوي الزلات التي لا تبلغ الحدود. يقول: من تشفع للناس في الدنيا شفعه الله في المذنبين في الآخرة، فيكون وجيها عند الله، كما كان وجيها عند خلقه. وقد روي هذا الوجه عن بعض السلف. [ ص: 156 ] ومن هذا الباب حديث أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اشفعوا إلي فلتؤجروا وليقض الله على لسان نبيه ما شاء" .

وفيه وجه آخر ذكره أبو العباس ثعلب قال سألت ابن الأعرابي عن هذا فقال يروى عن الشعبي أنه قال يأتي أصحاب المعروف في الدنيا يوم القيامة فيغفر لهم بمعروفهم وتبقى حسناتهم جامة فيعطونها لمن زادت سيئاته على حسناته فيغفر له ربه عز وجل.

والمعروف كل ما تعرفه النفوس وتستحسنه العقول من مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم وهي التي كانت لم تزل مستحسنة في كل زمان وعند أهل كل ملة فلا تزال كذلك لا يجري عليها النسخ ولا يجوز فيها التبديل وإلى هذا أشار النبي صلى الله عليه بقوله: "إن مما بقي من كلام النبوة الأولى إذا لم تستحي فاصنع ما شئت" يريد أن الحياء لم يزل مستحسنا في شرائع الأنبياء الأولين وأنه لم يرفع ولم ينسخ في جملة ما نسخ من شرائعهم.

وقوله: فاصنع ما شئت فيه وجهان أحدهما أن يكون معناه إخبارا كأنه قال: إذا لم تستحي صنعت ما شئت أي أتيت ما يقبح ولم تستحي ولم تبال به وإلى هذا أو نحوه أشار أبو عبيد.

ووجه آخر وهو أن يكون معناه اصنع ما شئت من أمر لا يستحيا منه أي ما يستحيا منه فلا تفعله.

وفيه وجه ثالث قاله أبو العباس ثعلب وهو أن يكون معناه الوعيد كقوله: اعملوا ما شئتم ومن المعروف حديث أبي تميمة [ ص: 157 ] الهجيمي حدثناه إسماعيل الصفار نا الدوري نا عبيد الله بن موسى نا إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي تميمة أن أعرابيا أتى النبي صلى الله عليه فقال: أوصني فقال: "أوصيك أن لا تسب الناس ولا تزهد في معروف وإن استسقاك أخوك من دلوك فصب له والقه ووجهك منبسط إليه" .

وفي غير هذه الرواية من طريق الجريري عن أبي السليل عن أبي تميمة قال: سألته عن المعروف فقال: "لا تحقرن شيئا من المعروف ولو بشسع النعل ولو أن تعطي الحبل ولو أن تؤنس الوحشان" قوله: تؤنس الوحشان فيه وجهان: أحدهما أن تلقاه بما يؤنسه من القول الجميل وإنما هو فعلان من الوحشة يقال رجل وحشان من قوم وحاشى. والوجه الآخر أنه أريد به المنقطع بأرض الفلاة المستوحش بها تحمله فتبلغه المكان الآنس الآهل والأول أشبه.

التالي السابق


الخدمات العلمية