الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
وقال أبو سليمان في حديث النبي صلى الله عليه: "أنه شكا عبد الله بن أبي إلى سعد بن عبادة فقال يا رسول الله اعف عنه فوالذي أنزل عليك الكتاب لقد جاء الله بالحق ولقد اصطلح أهل البحرة على أن يعصبوه بالعصابة فلما رد الله ذلك بالحق الذي أعطاك شرق بذلك"   .

حدثناه أحمد بن إبراهيم بن مالك نا الحسن بن زياد السري نا إسماعيل بن أبي أويس حدثني أخي عن سليمان بن بلال عن محمد بن أبي عتيق عن ابن شهاب عن عروة عن أسامة بن زيد

.

قوله: أهل البحرة يريد أهل المدينة قال الأموي: البحرة الأرض والبلدة يقال هذه بحرتنا أي بلدتنا وقال ابن ميادة:


وربع محيل تلعب الريح فوقه قديما عهدنا أهله منذ أعصر     كأن بقاياه ببحرة مالك
بقية سحق من رداء محبر

وقوله: يعصبوه: أي يسودوه والسيد المطاع يقال له المعصب لأنه [ ص: 160 ] تعصب الأمور برأسه والتاج عندهم للملك والعصابة للسيد المطاع في قومه وقد جمعهما هوذة بن علي الحنفي فقال الأعشى يذكره:


من ير هوذة يسجد غير ممتنع     إذا تعصب فوق التاج أو وضعا

ويقال: لم يكن في معد متوج غيره ويقال للرئيس أيضا المعمم قال الشاعر:


رأيتك هريت العمامة بعدما     رأيتك حينا حاسرا لم تعصب

ويقال: إنما سمي الرئيس معمما على مثل ما ذكرت من مذهبهم في تسميته معصبا ويقال بل سمي معمما لأنه كان يعتم بعمامة يعرف بها وكان أبو أحيحة سعيد بن العاص إذا اعتم لم يعتم قرشي إعظاما له.

وأنشدني بعض أهل الأدب قال أنشدنا ابن الأنباري عن أبي العباس ثعلب:


إذا المرء أثرى ثم قال لقومه     أنا السيد المفضى إليه المعمم
ولم يعطهم مالا أبوا أن يسودهم     وهان عليهم فقده وهو أظلم

وقوله: شرق بذلك أي غص به ويقال: غص الرجل بالطعام وشرق بالماء وشجي بالعظم قال الشاعر:


يحكي سعال الشرق الأبح

.

ومن هذا حديث عبد الله بن السائب أخبرناه محمد بن المكي نا الصائغ نا سعيد بن منصور نا سفيان عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن عبد الله بن السائب: "أن رسول الله صلى الله عليه صلى الصبح [ ص: 161 ] بمكة فقرأ سورة المؤمنين فلما أتى على ذكر عيسى وأمه أخذته شرقة فركع" يريد أخذته سعلة فعيي بالقراءة.

ومن هذا أيضا حديثه الذي يروى في تأخير الصلاة إلى شرق الموتى قال ابن الأعرابي هو من شرق الميت بريقه عند خروج نفسه فشبه ما بقي من الوقت بما بقي من حياة الشرق بروحه قال غيره شرقت نفس الميت إذا زهقت وشرقت الشمس إذا غابت وشرقت إذا بدت وأشرقت إذا أضاءت.

فأما حديثه الآخر أنه قال: "دخلت الجنة فسمعت نحمة من نعيم" .

قال ابن أبي خيثمة قال مصعب بن عبد الله الزبيري فسمي النحام فإن النحمة والنحيم صوت من الجوف قال رؤبة:


بيض عينيه العمى المعمي     من نحمان السيد النحم

وقال آخر:


ما لك لا تنحم يا رواحه     إن النحيم للسقاة راحه



التالي السابق


الخدمات العلمية