الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
وقال أبو سليمان في حديث عبد الله أنه قال: إذا قال الرجل للرجل أنت لي عدو فقد كفر أحدهما بالإسلام.  

أخبرناه ابن الأعرابي نا الحسن بن سهل المجوز نا شعيث بن محرز نا شعبة قال عمرو بن مرة أخبرني قال قال أبو وائل سمعت عبد الله يقول ذلك قال شعبة وهذا حديث شديد.

قال أبو سليمان وجه هذا والله أعلم أنه أراد كفران النعمة لأن الله جل وعز قد من على المسلمين بما جمعهم عليه من ألفة الإسلام فقال: واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا فمن جهل هذه النعمة ولم يعظم موقع المنة فيها فقد قابلها بالكفران ولو أراد الكفر المطلق الذي هو الخروج من الملة لأشبه [ ص: 249 ] أن يقول كفرا وكفر بالله وإنما قال: فقد كفر بالإسلام إشارة إلى هذا المعنى والله أعلم.

وقد يحتمل أن يكون المعنى في تكفيره إياه إن كان أراد بالكفر خروجه من الملة أنه مكذب بالقرآن فقد أخبر الله في كتابه إنما المؤمنون إخوة وقال: والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض فمن جعل بعضهم أعداء بعض فقد كذب بالقرآن والمكذب به كافر.

فأما حديثه الآخر أنه قال: "قتال المسلم كفر" فمعناه التحذير له والتغليظ فيه يريد أنه كالكفر فلا تقاتله وهذا كما يقال: الفقر الموت أي كالموت ونظير هذا قوله: "كفر بالله انتفاء من نسب وإن دق وادعاء نسب لا يعرف". أي كالكفر ولم يرد أن من ادعى نسبا لا يعرف كان كافرا ومثله في الكلام كثير.

فأما الحديث المرفوع أنه قال: "لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض" فقد قيل في معناه لا يكفر بعضكم بعضا فتستحلوا به أن تقاتلوا ويضرب بعضكم رقاب بعض وقد قيل إنه أراد بهذا الكلام أهل الردة [ ص: 250 ] .

أخبرني إبراهيم بن فراس سمعت موسى بن هارون يقول: هؤلاء أهل الردة قتلهم أبو بكر وقد قيل معنى قوله كفارا متكفرين بالسلاح أي لابسين له.

قال بعض أهل اللغة إذا لبس الرجل فوق درعه ثوبا قيل قد كفر فهو كافر وقال: كل ما غطى شيئا فقد كفره قال الشاعر:


قد درست غير رماد مكفور مكتئب اللون مروح ممطور

يريد أن الريح سفت عليه التراب فوارته به قال: ومن هذا اشتقاق الكافر وذلك أنه غطى نعمة الله ولم يظهرها.

وقال بعضهم: الكافر بمعنى المكفور فاعل بمعنى مفعول وذلك أنه مغمور على قلبه مغطى عليه.

وقوله فقد كفر أحدهما بالإسلام أراد به القائل دون المقول له ومن مذهب العرب استعمال الكناية في كلامها وترك التصريح بالسوء وهو كقول بعض الصحابة لرجل قد علمت أن رسول الله قال: إن أحدنا فرعون هذه الأمة يعنيه بذلك وقد يقول الرجل لصاحبه وهو يكذبه والله إن أحدنا لكاذب وعلى هذا قوله سبحانه: وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين .

التالي السابق


الخدمات العلمية