الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
وقال أبو سليمان في حديث عبد الله أنه كان يقول في خطبته: الشباب شعبة من الجنون وشر الروايا روايا الكذب  ومن ينو الدنيا [ ص: 267 ] تعجزه ومن الناس من لا يأتي الصلاة إلا دبرا ولا يذكر الله إلا مهاجرا.

أخبرناه ابن الأعرابي أنا ابن عفان العامري نا عبد الله بن نمير نا سفيان عن عبد الرحمن بن عابس نا إياس عن عبد الله بن مسعود.

إنما جعل الشباب شعبة من الجنون لأن الجنون آفة تنال العقل فتزيله وكذلك الشباب قد يسرع إلى غلبة العقل بما له من قوة الميل إلى الشهوات وشدة النزاع إليها وهذا كقولهم: الغضب جنون ساعة وإنما سمي المجنون مجنونا لأنه قد أطبق على عقله وأصله من الجن وهو الستر ولذلك سمي الترس مجنا والقبر جننا قال المقنع الكندي.


والصاحب السوء كالداء العياء إذا ما ارفض في الجسم يجري هاهنا وهنا     فذاك إن عاش كن منه بمعزلة
أو مات يوما فلا تشهد له جننا

وقوله شر الروايا روايا الكذب فإنها جمع روية وهو ما يروي فيه الإنسان ويقدمه من الفكر أمام العمل إذا أراده يقال روأت في الأمر [ ص: 268 ] وتركوا الهمز في الروية يريد أن من شر الأمور وأضرها أن تكذب روية الإنسان وتفسد نيته لأنها الأصل الذي يصدر عنه فعله والمقدمة التي يبنى عليها أمره.

وقال بعضهم: الروايا جمع راوية يريد الكذب في الحديث والتزيد فيه. وقوله من ينو الدنيا تعجزه أي من يسع لها يخب يقال نويت الشيء إذا جددت في طلبه ولي عند فلان نية ونواة أي طلبة وحاجة قال كثير:


وإن الذي ينوي من المال أهلها     أوارك لما تأتلف وعوادي

يريد الذي يطلب أهلها من المهر.

يقول: من جد في طلب الدنيا ليبلغ الغاية منها أعجزته فلا تجدوا في طلبها ولا تحرصوا عليها.

وقوله ومن الناس من لا يأتي الصلاة إلا دبرا يروى على وجهين بفتح الدال وضمها ودبر الشيء ودبره آخره يريد أنه لا يأتي الصلاة في أول وقتها لكن يغفلها حتى إذا أدبرت صلاها في آخر وقتها وبهذا وصف الله المنافقين فقال: وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى قال أبو زيد فلان لا يصلي الصلاة إلا دبريا أي في آخر وقتها قال والمحدثون يقولون دبريا.

وروى ابن الأنباري دبريا ودبريا ودبريا والمعنى أن يأتيها في آخر وقتها [ ص: 269 ] فأما قولهم شر الرأي الدبري فإنه بفتح الدال والباء.

وقوله ومن الناس من لا يذكر الله إلا مهاجرا فمعناه هجران القلب. يريد أنه لا يطمئن قلبه إلى الذكر ولا ينشرح صدره به وهذا أيضا مما نعت به المنافقين فقال يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا يريد ذكر القلب والله أعلم.

التالي السابق


الخدمات العلمية