الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
وقال أبو سليمان في حديث النبي صلى الله عليه أنه قال: "من صلى البردين دخل الجنة"   .

حدثنيه محمد بن عدي نا الحسن بن سفيان ثنا هدبة بن خالد نا همام ثنا أبو حمزة عن أبي بكر عن أبيه قال عفان وكان حدثناه همام عن أبي بكر بن أبي موسى عن أبيه وقال علي بن المديني إنما هو أبو بكر بن عمارة بن رويبة.

البردان: الغداة والعشي وهما الأبردان قال الشماخ:


إذا الأرطى توسد أبرديه خدود جوازئ بالرمل عين

وإنما قيل أبردان لطيب الهواء وبرده في هذين الوقتين.

وأنشدني أبو رجاء الغنوي أنشدنا أبو العباس ثعلب:


فلا الظل من برد الضحى نستطيعه     ولا الفيء من برد العشي نذوق

قال: وقال أبو العباس: أخبرت عن أبي عبيدة قال: قال رؤبة: كل ما كانت عليه الشمس فزالت عنه فهو فيء وظل وما لم تكن عليه الشمس فهو ظل [ ص: 186 ] .

فأما حديثه الآخر أنه قال: "إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة" فليس هذا من بردي النهار ولا من الجائز تأخير الظهر إلى ذلك الوقت وإنما الإبراد انكسار وهج الشمس بعد الزوال وسمي ذلك إبرادا لأنه بالإضافة إلى حر الهاجرة برد وقد روينا هذا التفسير عن محمد بن كعب القرظي.

حدثنيه عبد الله بن محمد المسكي نا محمد بن عمرو بن عباد نا يحيى بن حكيم المقوم نا أبو عامر عبد الملك بن عمرو نا أفلح بن سعيد شيخ من أهل قباء سمعت محمد بن كعب يقول في قوله: "أبردوا بالصلاة" قال كلام العرب إذا كان القوم في السفر فزالت الشمس وهبت الأرواح تنادوا أبردتم فالرواح.

قال وكان يعد إبرادا حين تزول الشمس.

وأما حديثه الآخر أنه قال: "حافظ على العصرين" .

حدثنا محمد بن بكر نا أبو داود نا عمرو بن عون نا خالد عن داود بن أبي هند عن أبي حرب بن أبي الأسود عن عبد الله بن فضالة عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه: "حافظ على العصرين". وما كانت من لغتنا فقلت وما العصران؟ قال: "صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها".

فإن العصرين عند العرب الغداة والعشي قال حميد بن ثور:


ولن يلبث العصران يوم وليلة     إذا طلبا أن يدركا ما تيمما

فجعلهما يوما وليلة [ ص: 187 ] .

وقال آخر:


أماطله العصرين كيما يملني     ويرضى بنصف الدين والأنف راغم

وقد ذهب بعض أهل اللغة في العصرين إلى مجاز تغليب أحد الاسمين على الآخر كقولهم الأسودان للتمر والماء وسيرة العمرين يريدون أبا بكر وعمر وهو عند أصحاب المعاني على حقيقة الاسم والوضع في كل واحد منهما كالبردين والجديدين وما أشبههما من مثنى الأسماء.

ويقال والله أعلم إن صلاة العشي إنما سمي عصرا لأن مدى وقتها يقارب غروب الشمس من قولهم أعصرت الجارية إذا قاربت الإدراك وجارية معصر قال الشاعر:


جارية بسفوان دارها     قد أعصرت أو قد دنا إعصارها

وكذلك هذا المعنى في تسمية صلاة الفجر عصرا  وذلك أن الوقت الذي تصلى فيه قد يمتد إلى طلوع الشمس أو يقاربه وقد روي عن النبي صلى الله عليه في قوله: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى أنه قال: "ألا وهي العصر" وذهب عبد الله بن عمر وابن عباس وعطاء وطاووس في تأويلها إلى أنها صلاة الفجر وتابعهم على ذلك من فقهاء الأمصار الشافعي ولا أراهم توهموه إلا معنى الخبر وهو قوله: "ألا وهي العصر" على أن ضربا من الاستنباط قد يشهد لمذهبهم وذلك أن صلاة الفجر واسطة [ ص: 188 ] بين صلاتين قبلها تجمعان في السفر وهما المغرب والعشاء وبين صلاتين بعدها وتجمعان كذلك وهما الظهر والعصر، وصلاة الفجر لا تجمع إليها صلاة فهي واسطة بين الصلوات الخمس.

التالي السابق


الخدمات العلمية