الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
وقال أبو سليمان في حديث ابن عباس : " أنه قال لعتبة بن أبي سفيان : وقد أثنى عليه فأحسن : " أمهيت يا أبا الوليد أمهيت " .  

حدثنيه محمد بن نافع ، نا إسحاق بن أحمد الخزاعي ، قال : أخبرني يعقوب بن إسحاق في إسناد له ، قال : دخل ابن عباس على معاوية وكأنه قرحة يتبجس ، وعتبة بن أبي سفيان [جالس] يديم النظر ولا يتكلم ، [ ص: 470 ] فقال له ابن عباس : يا أبا الوليد ، ما لي أراك تديم النظر ، وتقل الكلام ، ألغفلة فطالت ، أم لمعتبة فدامت ؟ فقال : يا ابن عباس ، أما قلة كلامي معك ، فلقلته مع غيرك ، وأما إدمان النظر إليك فلكثرة ما أرى من سبوغ نعمة الله عليك ، ولو سلطت الحق على نفسك لعلمت أن عين محب لا تقصر عنك ، وأن عين مبغض لا تنالك ، فقال ابن عباس : أمهيت يا أبا الوليد أمهيت ، ففرح معاوية عند ذلك فقال :


دعوت عركا فدعوا عراكا جندلتان اصطكتا اصطكاكا

قوله : أمهيت معناه : بالغت في الثناء واستقصيته ، وأصله أن يحفر الرجل فينبط ، يقال : للحافر إذا بلغ الماء قد أمهى وأماه وأموه ، وأنهر وأعين ، قال ابن هرمة :


فإنك كالقريحة كاد تمهى     شروب الماء ثم تعود ماجا

والقريحة : أول ماء يخرج من البئر حين تحفر ، والمأج : الماء الملح ، وهذا كقول سويد الحارثي يرثي رجلا :


لعمري لقد نادى بأرفع صوته     نعي سويد أن صاحبكم هوى
أجل صادقا والقائل الفاعل الذي     إذا قال قولا أنبط الماء في الثرى

يريد أنه بليغ القول إذا شرع في الكلام ، لم ينزع حتى يستقصيه ويبلغ الغاية فيه ، كحافر البئر الذي لا ينزع عن حفرها ، حتى يبلغ الماء وينبطه [ ص: 471 ] ويقال : أمهى الفرس في جريه إذا بلغ الشأو ، وقال الشاعر :


من الممهيات الركض ظل كأنه     وقد حسرت عنه المحاضير طائر



التالي السابق


الخدمات العلمية