الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
حديث قيس بن عاصم رحمه الله .

وقال أبو سليمان في حديث قيس أنه قال لبنيه : إياكم والمسألة فإنها آخر كسب المرء ، وإذا مت فغيبوا قبري من بكر بن وائل ، فإني كنت أناوشهم ، أو قال : أهاوشهم في الجاهلية   .

أخبرناه محمد بن هاشم ، نا الدبري ، عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة .

قوله : إن المسألة آخر كسب المرء : يتأول على وجهين : أحدهما أن يكون معناه اجعلوا المسألة آخر كسبكم أي ما دمتم تقدرون على معيشة ، وإن دقت فلا تسألوا الناس ولا تتخذوا المسألة كسبا . وهذا كما روي عن عمر أنه قال : مكسبة فيها بعض الريبة خير من المسألة .

والوجه الآخر : أن يكون ذلك على مذهب الإخبار يريد أن من اعتاد المسألة واتخذها كسبا لم ينزع عنها ، وهذا أشبه الوجهين لأن هشيما روى في هذه القصة ، عن زياد بن أبي زياد ، عن الحسن ، عن قيس بن عاصم أنه قال إن أحدا لا يسأل الناس إلا ترك كسبه .

وقوله : كنت أناوشهم : معناه أقاتلهم . يقال : تناوش القوم إذا تناول [ ص: 561 ] بعضهم بعضا في القتال . ومن هذا قول الله تعالى : وأنى لهم التناوش من مكان بعيد أي تناول التوبة ، وأنشد الفراء :

فهي تنوش الحوض نوشا من علا .

فأما التناؤش مهموزا فمعناه التأخر ، وقد قرئ " وأنى لهم التناؤش " بالهمز أي التأخر والرجوع ، وأنشدوا :


تمنى أن تؤوب إلي مي وليس إلى تناؤشها سبيل

وقوله : أهاوشهم الأصل في الهوش الفساد والاختلاط ومنه هوشات السوق . وقال بعض أهل اللغة في قول العامة : شوشت على الرجل أمره إنما هو هوشت أي خلطت وأفسدت ، والعرب تقول : جاءوا بالهوش والبوش أي بالجمع الكثير المختلف . قال ومنه الحديث : " من جمع مالا من تهاوش أذهبه الله في نهابر " أي في هلاك .

قال : وأصحاب الحديث يقولون : من نهاوش وإنما هو تهاوش بالتاء [ ص: 562 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية