الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
وقال أبو سليمان في حديث النبي صلى الله عليه أنه قال: "لا صيام لمن لم يؤرضه من الليل"   .

حدثنيه محمد بن الحسين بن إبراهيم ثنا ابن بنت منيع نا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا خالد بن مخلد عن إسحاق بن حازم حدثني عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن سالم عن ابن عمر عن حفصة.

قوله: يؤرضه معناه يهيئه ويقدم النية له من الليل كقوله: "لا صيام لمن لم يبيته من الليل" ويقال أرضت المكان إذا سويته وهيأته وقال الأصمعي مكان أريض إذا كان خليقا للخير جيد النبات ويقال: تأرض الرجل إذا لزم الأرض ولم يبرح وأنشد أبو زيد:


وصاحب نبهته لينهضا إذا الكرى في عينه تمضمضا     فقام عجلان وما تأرضا
يمسح بالكفين وجها أبيضا

وقال ابن السكيت يقال تركت القوم يتأرضون المنزل : أي يختارون [ ص: 207 ] فأما حديثه الآخر: "أنه كان يأمر بصيام الليالي البيض".

حدثناه جعفر بن نصير الخلدي نا الحارث بن أبي أسامة نا روح بن عبادة ثنا همام عن أنس بن سيرين عن عبد الملك بن قتادة بن ملحان القيسي عن أبيه: "أن رسول الله صلى الله عليه كان يأمر بصيام الليالي البيض" فإنه يتأول أيضا على تقديم النية له من الليل إذ كان الليل غير محل للصوم. وفيه وجه آخر وهو أن تذكر الليالي ويراد بها الأيام كقولهم خرجنا ليالي الفتنة وخفنا ليالي إمارة فلان.

وقال أبو عمرو بن العلاء: هربنا ليالي إمارة الحجاج وإنما يراد في هذا كله الأيام بلياليها وعلى هذا يتأول قوله تعالى: يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا يريد والله أعلم الأيام بلياليها. وكان المبرد يقول: إنما أنث العشر لأن المراد به المدة وذهب بعض الفقهاء إلى أنه إذا انقضى لها أربعة أشهر وعشر ليال حلت للأزواج وذلك لأنه رأى العدد مبهما فغلب معنى التأنيث وتأولها على الليالي وإليه ذهب الأوزاعي من الفقهاء وأبو بكر الأصم من أهل الكلام .

أخبرني به الحسن بن يحيى عن ابن المنذر ويقال إنهم إنما اعتبروا إنشاء التاريخ من الليالي لأن الأهلة تستهل فيها.

التالي السابق


الخدمات العلمية