الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
174 - وقال "أبو عبيد" في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - في المخنث الذي كان يدخل على أزواجه، فقال "لعبد الله بن أبي أمية" أخي "أم سلمة ": إن فتح الله علينا الطائف غدا دللتك على ابنة غيلان، فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان ".  

فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 97 ] :

"لا يدخل هذا عليكن"
[ ص: 98 ] .

قال: حدثناه "ابن علية" عن "روح بن القاسم" عن "هشام ابن عروة" عن أبيه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم.

وأما في حديث يروى عن "الليث بن سعد" بإسناد له أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: "ألا أراك تعقل هذا؟ لا يدخلن ذا عليكن ".

قوله: تقبل بأربع: يعني أربع عكن في بطنها، فهي تقبل بهن   [ ص: 99 ] .

وقوله: "تدبر بثمان ": يعني أطراف هذه العكن الأربع وذلك لأنها محيطة بالجنبين حتى لحقت بالمتنين، من مؤخرها من هذا الجانب أربعة أطراف، ومن الجانب الآخر مثلها، فهذه ثمان.  

وإنما أنث، فقال: بثمان، ولم يقل: بثمانية، وواحد الأطراف طرف وهو ذكر؛ لأنه لم يقل: ثمانية أطراف، فلو جاء بلفظ الأطراف لم يجد بدا من التذكير.

وهذا كقولهم: هذا الثوب سبع في ثمان. [والثمان] يراد بها الأشبار، فلم يذكرها لما لم يأت بذكر الأشبار، والسبع [ ص: 100 ] إنما يقع على الأذرع، فلذلك أنث، والذراع أنثى.

وكذلك قولهم: صمنا من الشهر خمسا.

قال: سمعت "الكسائي" و"أبا الجراح" يقولانه.

وقد علمنا أنه إنما يراد بالصوم الأيام دون الليالي، ولو ذكر الأيام لم يجد بدا من التذكير، فيقول: صمت خمسة أيام، كقول الله [ - عز وجل - ] : سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما .

فهذا ما في الحديث من العربية.

وفيه من الفقه دخوله [كان] ، على أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - فإنه وإن كان مخنثا، فإنه رجل يجب عليهن الاستتار منه.

وإنما وجهه عندنا أنه كان عند النبي - صلى الله عليه وسلم - من غير أولي الإربة من الرجال؛ لقول الله [ - عز وجل - ] : ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن ... " إلى قوله أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال [ ص: 101 ] فلهذا كان ترك النبي - صلى الله عليه وسلم - إياه أن يدخل على أزواجه.

فلما وصف الذي وصف من المرأة، علم أنه ليس من أولئك، فأمر بإخراجه.

ألا تراه يقول له: "ألا أراك تعقل ما ها هنا؟ " فعند ذلك نهى عن دخوله عليهن [ ص: 102 ] .

وكذلك يروى عن "الشعبي" أو "سعيد بن جبير" أنه قال في غير أولي الإربة من الرجال، قال: "هو المعتوه ".

وهذا عندي أحسن، من قول "مجاهد ".

قال: حدثنا "ابن علية" عن "ابن أبي نجيح" عن "مجاهد" في قوله: غير أولي الإربة من الرجال قال: الذي لا أرب له - في النساء.

قال "مجاهد ": مثل فلان.

[قال "أبو عبيد] ": وحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - خلاف هذا.

[ألا ترى أنه قد يكون لا أرب له في النساء، وهو مع هذا يعقل أمرهن، ويعرف مساوئهن من محاسنهن.

والذي في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - "أنه كان عنده لا يعقل هذا، فلما رآه قد عقله أمر بإخراجه"] [ ص: 103 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية