الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
210 - وقال "أبو عبيد" في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - : "كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه يهودانه، أو ينصرانه"   [ ص: 265 ] .

قال: حدثناه "إسماعيل بن جعفر" عن "العلاء بن عبد الرحمن" عن "أبيه" عن "أبي هريرة" عن النبي - صلى الله عليه وسلم - :

قال: وحدثناه "ابن علية" عن "يونس" عن "الحسن" عن "الأسود بن سريع" عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .

[قال أبو عبيد] : فسألت محمد [بن الحسن] عن تفسير هذا الحديث، فقال: كان هذا في أول الإسلام قبل أن تنزل الفرائض، وقبل أن يؤمر المسلمون بالجهاد [ ص: 266 ] .

قال "أبو عبيد ": كأنه يذهب إلى أنه لو كان يولد على الفطرة، ثم مات قبل أن يهوده أبواه، أو ينصراه ما ورثهما، ولا ورثاه؛ لأنه مسلم، وهما كافران.

وكذلك ما كان يجوز أن يسبى.

يقول: فلما نزلت الفرائض، وجرت السنن بخلاف ذلك، علم أنه يولد على دينهما.

هذا قول "محمد بن الحسن ".

وأما "عبد الله بن المبارك" فإنه بلغني أنه سئل عن تأويل هذا الحديث، فقال: تأويله: الحديث الآخر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن أطفال المشركين، فقال:

"الله أعلم بما كانوا عاملين ".
 


يذهب إلى أنهم إنما يولدون على ما يصيرون إليه من إسلام أو كفر.

فمن كان في علم الله [عز وجل] أن يصير مسلما، فإنه يولد على الفطرة [ ص: 267 ] .

ومن كان علمه فيه أن يموت كافرا، ولد على ذلك.

[قال أبو عبيد] : ومما يشبه هذا الحديث حديثه الآخر أنه قال - صلى الله عليه وسلم - : يقول الله - تبارك وتعالى - : "إنى خلقت عبادي جميعا حنفاء، فاجتالهم الشياطين عن دينهم، وجعلت ما نحلتهم من رزق، فهو لهم حلال فحرم عليهم الشيطان ما أحللت لهم"   [ ص: 268 ] .

[ ص: 269 ] فكأنه يريد قول الله - تبارك وتعالى - : قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون

يروى في التفسير عن "مجاهد" في قوله [عز وجل] : فجعلتم منه حراما وحلالا أنها البحائر والسيب.

قال "أبو عبيد: يعني ما كانوا يحرمون من ظهورها وألبانها، [ ص: 270 ] والانتفاع بها. وفيها نزلت هذه الآية: ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام

التالي السابق


الخدمات العلمية