الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
496 - وقال "أبو عبيد" في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - : أنه قال ذات غداة: [إنه] أتاني الليلة آتيان فابتعثاني، فانطلقت معهما، فأتيا على رجل مضطجع، وإذا رجل قائم عليه بصخرة وإذا هو يهوي بالصخرة فيثلغ [بها] رأسه، فتدهدى الصخرة.

قال: "ثم انطلقنا فأتينا على رجل مستلق، وإذا رجل قائم عليه بكلوب، وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه، فيشرشر شدقه إلى قفاه".

"ثم انطلقنا فأتينا على مثل بناء التنور فيه رجال ونساء يأتيهم لهب من أسفل، فإذا أتاهم اللهب ضوضوا" [ ص: 380 ] .

فانطلقنا، وانتهينا إلى دوحة عظيمة، فقالا لي: ارق فيها، فارتقينا، فإذا نحن بمدينة مبنية بلبن ذهب وفضة فسما بصري صعدا، فإذا قصر مثل الربابة البيضاء".
 


قال "أبو عبيد": يروى ذلك عن "عوف" عن "أبي رجاء" عن "سمرة بن جندب" عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .

أما قوله: "رجل مضطجع ورجل يهوي بصخرة فيثلغ بها رأسه"،  فإنه يعني يشدخه.

يقال: ثلغت رأسه أثلغه ثلغا إذا شدخته.

وقوله: "فيتدهدى الحجر"  يعني يتدحرج.

يقال: تدهدى الحجر وغيره تدهديا: إذا تدحرج.

ودهديته أنا أدهديه دهداة ودهداء: إذا دحرجته.

قال: "الكسائي": وقوله: "كلوب من حديد":  هو الكلاب، وهما لغتان: كلوب وكلاب، والجمع منهما: كلاليب.

وقوله: "يشرشر شدقه إلى قفاه":  يعني يشققه ويقطعه [ ص: 381 ] .

قال: "أبو زبيد الطائي" يصف الأسد:


يظل مغبا عنده من فرائس رفات عظام أو غريض مشرشر

وقوله: "فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا"  يعني ضجوا وصاحوا، والمصدر منه الضوضاة غير مهموز.

وأما الدوحة: فالشجرة العظيمة من أي شجر كان.

وأما قوله: "مثل الربابة البيضاء"  فإنها السحابة التي قد ركب بعضها بعضا، وجمعها رباب. وبه سميت المرأة الرباب، وقال الشاعر :


سقى دار هند حيث حلت بها النوى     مسف الذرى داني الرباب ثخين

وأما الربابة - بكسر الراء - فإنها شبيهة بالكنانة يكون فيها السهام قال "أبو ذؤيب" يصف الحمار والأتن:


وكأنهن ربابة وكأنه     يسر يفيض على القداح ويصدع

قال: وبعض الناس يقول: الربابة: خرقة أو جلدة يجعل فيها القداح شبه الوعاء لها [ ص: 382 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية