الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
522 - وقال أبو عبيد في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - في العمرى والرقبى أنها لمن أعمرها ،  ولمن أرقبها ولورثتهما من بعدهما " [ ص: 20 ] .

قال أبو عبيد : وتأويل العمرى : أن يقول الرجل للرجل : هذه الدار لك عمرك ، أو يقول له : هذه الدار لك عمري .

وقال أبو عبيد : وقد حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عطاء في تفسير العمرى  بمثل ذلك أو نحوه .

فأما الرقبى ، فإن ابن علية حدثنا عن حجاج بن أبي عثمان ، قال : سألت أبا الزبير عن الرقبى ، فقال : هو أن يقول الرجل للرجل : إن مت [ ص: 21 ] قبلي رجع إلي ، وإن مت قبلك فهو لك .

قال أبو عبيد : وحدثني ابن علية أيضا عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، قال : الرقبى : أن يقول [الرجل للرجل ] كذا وكذا لفلان ، فإن مات فهو لفلان .

قال أبو عبيد : وأصل العمرى  عندنا إنما هو مأخوذ من العمر . ألا تراه يقول : هو لك عمري أو عمرك .

وأصل الرقبى  من المراقبة ، فكأن كل واحد منهما إنما يرقب موت صاحبه ، ألا تراه يقول : إن مت قبلي رجعت إلي ، وإن مت قبلك فهو لك ؟ فهذا ينبئك عن المراقبة .

والذي كانوا يريدون بهذا أن يكون الرجل يريد أن يتفضل على صاحبه بالشيء ، فيستمتع منه ما دام حيا ، فإذا مات الموهوب له لم يصل إلى ورثته منه شيء ، فجاءت سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - بنقض ذلك أنه من ملك شيئا حياته ، فهو لورثته من بعد موته . وفيه أحاديث كثيرة [ ص: 22 ] .

حدثنا أبو عبيد ، قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن عمرو ، عن طاوس عن حجر المدري ، عن زيد بن ثابت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى بالعمرى للوارث .  

حدثنا أبو عبيد : قال : وحدثنا سفيان بن عيينة ، عن عمرو ، عن سليمان بن يسار أن طارقا - أميرا كان على المدينة - قضى بالعمرى للورثة ، عن قول جابر بن عبد الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .

قال أبو عبيد : وحدثنا إسماعيل بن جعفر ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "العمرى جائزة لأهلها "   [ ص: 23 ] .

حدثنا أبو عبيد : قال : وحدثنا ابن علية ، عن ابن أبي نجيح ، عن طاوس ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا رقبى فمن أرقب شيئا فهو لورثة المرقب " .  

قال أبو عبيد : وهذه الآثار أصل لكل من وهب هبة واشترط فيها شرطا أن الهبة جائزة ،  وأن الشرط باطل كالرجل يهب للرجل جارية على ألا تباع ولا توهب أو على أن يتخذها سرية ، أو على أنه إن أراد بيعها فالواهب أحق بها .

هذا وما أشبهه من الشروط ، فقبضها الموهوب له على ذلك وعوض الواهب منها فالهبة ماضية والشرط باطل في ذلك كله .

قال أبو عبيد : وكان مالك [بن أنس ] يقول : إذا أعمر الرجل الرجل دارا ، فقال : هي لك عمرك ، فإنهما على شرطهما إذا مات الموهوب له رجعت إلى الواهب ، إلا أن يقول : هي لك ولعقبك من بعدك [ ص: 24 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية