الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
628 - وقال " أبو عبيد " في حديث "عمر " [ - رضي الله عنه - ] : أنه خطب الناس ، فقال : "إن بيعة أبي بكر [ - رضوان الله عليه - ] كانت فلتة وقى الله شرها " [ ص: 251 ] .

قال [ " أبو عبيد " ] : حدثنيه "أبو نوح قراد " عن "شعبة " عن "سعد بن إبراهيم " عن "عبيد الله بن عبد الله بن عتبة " عن "ابن عباس " عن "عبد الرحمن بن عوف " قال : خطبنا "عمر " ، فذكر ذلك ، وزاد فيه : "وإنه لا بيعة إلا عن مشورة ،  وأيما رجل بايع عن غير مشورة ، فلا يؤمر واحد منهما ؛ تغرة أن يقتلا " .

قال "شعبة " : فقلت "لسعد " : ما تغرة أن يقتلا ؟ فقال : عقوبتهما لا يؤمر واحد منهما .

قال " أبو عبيد " : وهذا مذهب ذهب إليه "سعد " تحقيقا لقول "عمر " : "لا يؤمر واحد منهما" ، وهو مذهب حسن .

ولكن التغرة في الكلام ليست بالعقوبة ، وإنما التغرة : التغرير ، يقال : غررت بالقوم تغريرا ، وتغرة ، وكذلك يقال في المضاعف خاصة ، كقوله : حللت اليمين تحليلا وتحلة ، قال الله - تبارك وتعالى - : قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم وكذلك : عللت المريض تعليلا ، وتعلة ، وإنما هذا في المضاعف في فعلت .

وإنما أراد "عمر " أن في بيعتهما تغريرا بأنفسهما للقتل ، وتعرضا لذلك ، فنهاهما عنه لهذا ، وأمر ألا يؤمر واحد منهما ؛ لئلا يطمع في ذلك ، فيفعل هذا الفعل [ ص: 252 ] .

وأما قوله : "فلتة " : فإن معنى الفلتة : الفجاءة ، وإنما كانت كذلك ؛ لأنه لم ينتظر بها العوام ، وإنما ابتدرها أكابر أصحاب "محمد" - صلى الله عليه وسلم - من المهاجرين ، وعامة الأنصار ، إلا تلك الطيرة التي كانت من بعضهم ، ثم أصفقوا له كلهم ، لمعرفتهم أن ليس لأبي بكر منازع ، ولا شريك في الفضل ، ولم يكن يحتاج في أمره إلى نظر ، ولا مشاورة ؛ فلهذا كانت الفلتة ، وبها وقى الله الإسلام وأهله شرها ، ولو علموا أن في أمر "أبي بكر " شبهة ، وأن بين الخاصة والعامة فيه اختلافا ، ما استجازوا الحكم عليهم بعقد البيعة ، ولو استجازوه ما أجازوه الآخرون ، إلا لمعرفة منهم به متقدمة ، فهذا تأويل قوله : "كانت فلتة وقى الله شرها" .

التالي السابق


الخدمات العلمية