الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
حديث خالد بن الوليد

رضي الله عنه

730 - وقال " أبو عبيد " في حديث " خالد بن الوليد" حين خطب الناس، فقال: " إن " عمر" استعملني على الشام، وهو له مهم، فلما ألقى الشام بوانيه، وصار بثنية وعسلا عزلني، واستعمل غيري".

فقال رجل: هذا والله هو الفتنة.

فقال " خالد": أما و " ابن الخطاب" حي فلا، ولكن ذاك إذا كان الناس بذي بلي، وذي بلي".

قال: حدثناه عدة عن " الأعمش" ، عن " أبي وائل" ، عن " عزرة بن قيس" قال: خطبنا " خالد" ، ثم ذكر ذلك.

قوله: " ألقى الشام بوانيه":  إنما هو مثل، فيقال للإنسان إذا اطمأن بالمكان [ ص: 35 ] واجتمع له أمره: قد ألقى بوانيه، وكذلك يقال: ألقى أرواقه، وألقى عصاه، قال الشاعر:


فألقت عصاها واستقرت بها النوى كما قر عينا بالإياب المسافر

وقوله: " صار بثنية وعسلا"  فيه قولان:

يقال: البثنية: حنطة منسوبة إلى بلاد معروفة بالشام من أرض " دمشق" يقال لها: البثنية.

والقول الآخر: أنه أراد بالبثنية اللينة، وذلك أن الرملة اللينة يقال أنها: بثنة، وتصغيرها بثنية، وبها سميت المرأة بثينة.

فأراد " خالد": أن الشام لما اطمأن، وهدأ، وذهبت شوكته، وسكنت الحرب منه، وصار لينا لا مكروه فيه، فإنما هو خصب، كالحنطة والعسل - عزلني واستعمل [ ص: 36 ] غيري، قال ذلك كله، أو عامته " الأموي".

وكان " الكسائي" و " الأصمعي" يقولان نحو ذلك.

وأما قوله: " وكان الناس بذي بلي وذي بلي":  فإنه يعني تفرق الناس، وأن يكونوا طوائف من غير إمام يجمعهم، وبعد بعضهم من بعض، وكذلك كل من بعد منك حتى لا تعرف موضعه، فهو بذي بلي، وفيه لغة أخرى: بذي بليان، ويروى عن " عاصم بن أبي النجود" ، عن " أبي وائل": " بذي بليان". قال " أبو عبيد ": الذي يرويه عن " عاصم" يقول: " بذي بليان" ، والصواب " بليان" ، وكان " الكسائي" ينشد هذا البيت في وصف رجل يطيل النوم، فقال:


ينام ويذهب الأقوام حتى     يقال أتوا على ذي بليان

يعني أنه أطال النوم، ومضى أصحابه في سفرهم حتى صاروا إلى موضع لا يعرف مكانهم من طول نومه.

قال " أبو عبيد ": وقد رواه بعضهم: ألقى الشام نواتيه، وليس هذا بشيء، إنما النواتي - في كلام أهل الشام: الملاحون الذين في البحر خاصة.

التالي السابق


الخدمات العلمية