792 - وقال " " في حديث أبو عبيد - رحمه الله - أنه قال: حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثين، قد رأيت أحدهما، وأنا أنتظر الآخر، حدثنا " حذيفة" أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال، ثم نزل القرآن، فعلموا من القرآن، وعلموا من السنة.
قال: ثم حدثنا عن رفع الأمانة، فقال: ينام الرجل النومة، فتقبض الأمانة من قلبه، فيظل أثرها كأثر الوكت، ثم ينام النومة فتقبض الأمانة من قلبه، فيظل أثرها كأثر المجل، كجمر دحرجته على رجلك فتراه منتبرا، وليس فيه شيء، ولقد أتى علي زمان، وما أبالي أيكم بايعت، لئن كان مسلما ليردنه علي إسلامه، ولئن كان يهوديا أو نصرانيا ليردنه علي ساعيه، فأما اليوم فما كنت لأبايع إلا فلانا أو فلانا" [ ص: 136 ] .
قال: حدثناه ، عن " أبو معاوية" ، عن " الأعمش" ، عن " زيد بن وهب" " حذيفة".
قال و " الأصمعي" وغيرهما: " أبو عمرو" الجذر: الأصل من كل شيء، قال " زهير": قوله: جذر قلوب الرجال:
وسامعتين تعرف العتق فيهما إلى جذر مدلوك الكعوب محدد
يعني قرن بقرة وصفها [ ص: 137 ] .وقال وهو الجذر - بالكسر - . " أبو عمرو":
وكان وغيره يقولون: هو بالفتح. " الأصمعي"
وقوله: " كأثر الوكت": الوكت هو أثر الشيء، اليسير منه.
قال: يقال للبسر إذا بدأ فيه الإرطاب: بسر موكت. " الأصمعي":
وأما المجل: فهو أثر العمل في الكف يعالج بها الإنسان الشيء حتى يغلظ جلدها، يقال منه: مجلت يده، ومجلت لغتان.
وأما المنتبر: فالمتنفط.
كان كثير من الناس يحمله على بيعة الخلافة، وهذا خطأ في التأويل، وكيف يكون على بيعة الخلافة وهو يقول: " لئن كان يهوديا أو نصرانيا ليردنه علي ساعيه". وقوله: " أتى علي زمان وما أبالي أيكم بايعت":
فهل يبايع على الخلافة اليهودي والنصراني؟ ومع هذا أنه لم يكن يجوز أن يبايع كل واحد، فيجعله خليفة، وهو لا يرى أو لا يرضى بأحد بعد [ ص: 138 ] " عمر".
فكيف يتأول هذا عليه؟
إنما مذهبه فيه أنه أراد مبايعة البيع والشرى، إنما ذكر الأمانة وأنها قد ذهبت من الناس، يقول: فلست أثق اليوم بأحد أتمنه على بيع ولا شرى إلا فلانا وفلانا [يقول] : لقلة الأمانة في الناس.
يعني الوالي الذي عليه، يقول: ينصفني منه، إن لم يكن له إسلام [يرده علي] ، وكل من ولي شيئا على قوم، فهو ساع عليهم، وأكثر ما يقال ذلك في ولاة الصدقة، وهم السعاة، قال الشاعر: وقوله: " ليردنه علي ساعيه":
سعى عقالا فلم يترك لنا سبدا فكيف لو قد سعى عمرو عقالين