فصل
وأما فإن تعود ذلك يبقى متخلفا لا يكاشف بشيء من الحقائق، فغاية أحواله حينئذ أن يطيب قلبه. آداب المريد في السماع، فالمريد لا تسلم له الحركة في السماع بالاختيار البتة، فإن ورد عليه وارد حركة ولم يكن فيه فضل قوة، فبمقدار الغلبة يعذر، فإذا زالت الغلبة يجب عليه القعود والسكون، فإن استدام الحركة مستحليا للوجد من غير غلبة وضرورة لم يصح،
وفي الجملة: إن الحركة تأخذ من كل متحرك، وتنقص من حاله مريدا كان أو شيخا، إلا أن يكون بإشارة من الوقت، أو غلبة تأخذ عن التمييز.
فإن كان مريدا أشار عليه الشيخ بالحركة؛ فتحرك على إشارته، فلا بأس إذا كان الشيخ ممن له حكم على أمثاله.
وأما إذا أشار عليه الفقراء بالمساعدة في الحركة فيساعدهم في القيام، وفي أداء ما لا يجد منه بدا، مما يراعى عن الاستيحاش لقلوبهم.
ثم إن صدقه في حاله يمنع قلوب الفقراء من سؤالهم عند المساعدة معهم.
[ ص: 582 ] وأما طرح الخرقة فحق المريد أن لا يرجع في شيء خرج منه البتة، اللهم إلا أن يشير إليه شيخ بالرجوع فيه فيأخذه على نية العارية بقلبه، ثم يخرج عنه بعده من غير أن يستوحش قلب ذلك الشيخ.
وإذا وقع بين قوم عادتهم طرح الخرقة، وعلم أنهم يرجعون فيها، فإن لم يكن فيهم شيخ تجب حشمته وحرمته، وكان طريق هذا المريد أن لا يعود في الخرقة، فالأحسن أن يساعدهم في الطرح، ثم يؤثر به القوال إذا رجعوا هم فيها ولو لم يطرح، فإنه يجوز إذا علم من عادة القوم أنهم يعودون فيما طرحوا، فإن القبيح إنما هو سنتهم في العودة إلى الخرق لا في مخالفته لهم، على أن الأولى الطرح على الموافقة، ثم ترك الرجوع فيه.
ولا يسلم للمريد البتة التقاضي عن القول؛ لأن صدق حاله يحمل القول على التكرار، ويحمل غيره على الاقتضاء.
ومن تبرك بمريد فقد جار عليه؛ لأنه يضره لقلة قوته، فالواجب على المريد ترك تربية الجاه عند من قال بتركه وإثباته.