المثال الرابع : أن العلماء اختلفوا في الضرب بالتهم
إن العلماء اختلفوا في الضرب بالتهم . وذهب مالك إلى جواز السجن في التهم ، وإن كان السجن نوعا من العذاب ، ونص أصحابه على جواز الضرب ، وهو عند الشيوخ من قبيل تضمين الصناع ، فإنه لو لم يكن الضرب والسجن بالتهم لتعذر استخلاص الأموال من أيدي السراق والغصاب ، إذ قد يتعذر إقامة البينة ، فكانت المصلحة في التعذيب وسيلة إلى التحصيل بالتعيين والإقرار .
فإن قيل : هذا فتح باب تعذيب البريء ! قيل : ففي الإعراض عنه إبطال استرجاع الأموال . بل الإضراب عن التعذيب أشد ضررا ، إذ لا يعذب أحد لمجرد الدعوى ، بل مع اقتران قرينة تحيك في النفس ، وتؤثر في القلب نوعا من الظن . فالتعذيب في الغالب لا يصادف البريء ، وإن أمكن مصادفته فتغتفر ؛ كما اغتفرت في تضمين الصناع .
[ ص: 618 ] فإن قيل : لا فائدة في الضرب ، وهو لو أقر لم يقبل إقراره في تلك الحال .
فالجواب إن له فائدتين :
( إحداهما ) : أن يعين المتاع فتشهد عليه البينة لربه ، وهي فائدة ظاهرة .
والثانية : أن غيره قد يزدجر حتى لا يكثر الإقدام . فتقل أنواع هذا الفساد .
وقد عد له سحنون فائدة ثالثة وهو الإقرار حالة التعذيب بأنه يؤخذ عنده بما أقر في تلك الحال .
قالوا : وهو ضعيف . فقد قال الله تعالى : لا إكراه في الدين ولكن نزله سحنون على من أكره بطريق غير مشروع كما إذا أكره على طلاق زوجته ، أما إذا أكره بطريق صحيح فإنه يؤخذ به . فالكافر يسلم تحت ظلال السيوف فإنه مأخوذ به ، وقد تتفق له بهذه الفائدة على مذهب غير سحنون إذا أقر حالة التعذيب ثم تمادى على الإقرار بعد أمنه فيؤخذ به .
قال بعدما حكى عن الغزالي : أنه لا يقول بذلك ، وعلى الجملة فالمسألة في محل الاجتهاد . الشافعي
قال : ولسنا نحكم بمذهب مالك على القطع ، فإذا وقع النظر في تعارض المصالح ، كان ذلك قريبا من النظر في تعارض الأقيسة المؤثرة .