فصل : ( في وفيه فوائد جليلة ) : ذكر الأنوار
والله سبحانه وتعالى سمى نفسه نورا ، وجعل كتابه نورا ، ورسوله صلى الله عليه وسلم نورا ، ودينه نورا ، واحتجب عن خلقه بالنور ، وجعل دار أوليائه نورا تتلألأ ، قال الله تعالى : ( الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم ) وقد فسر : ( الله نور السماوات والأرض . . ) الآية بكونه : منور السماوات والأرض ، وهادي أهل السماوات [ ص: 45 ] والأرض ، فبنوره اهتدى أهل السماوات والأرض ، وهذا إنما هو فعله ، وإلا فالنور الذي هو من أوصافه ، قائم به ، ومنه اشتق له اسم النور الذي هو أحد الأسماء الحسنى .
والنور يضاف إليه سبحانه على أحد وجهين : إضافة صفة إلى موصوفها ، وإضافة مفعول إلى فاعله . فالأول : كقوله تعالى : ( وأشرقت الأرض بنور ربها . . ) الآية فهذا إشراقها يوم القيامة بنوره تعالى إذا جاء لفصل القضاء . ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء المشهور :
( أعوذ بنور وجهك الكريم أن تضلني لا إله إلا أنت ) . وفي الأثر الآخر : ( أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات ) فأخبر صلى الله عليه وسلم أن الظلمات أشرقت لنور وجهه ، كما أخبر تعالى : أن الأرض تشرق يوم القيامة بنوره .
وفي معجم والسنة له ، وكتاب الطبراني ، وغيرها ، عن عثمان الدارمي رضي الله عنه قال : ( ابن [ ص: 46 ] مسعود ليس عند ربكم ليل ولا نهار ، نور السماوات والأرض من نور وجهه ) ، وهذا الذي قاله رضي الله عنه أقرب إلى تفسير الآية من قول من فسرها بأنه هادي أهل السماوات والأرض ، " وأما من فسرها بأنه منور السماوات والأرض " فلا تنافي بينه وبين قول ابن مسعود ، والحق أنه نور السماوات والأرض بهذه الاعتبارات كلها وفي صحيح ابن مسعود مسلم وغيره من حديث رضي الله عنه قال : قام فينا رسول [ ص: 47 ] الله صلى الله عليه وسلم بخمس " كلمات " فقال : ( أبي موسى الأشعري ) . وفي صحيح إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه ، يرفع إليه عمل الليل قبل " عمل " النهار ، وعمل النهار قبل " عمل " الليل ، حجابه النور ، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه ، قال : فسمعت سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك ؟ قال : ( نور أنى أراه ) شيخ الإسلام ابن تيمية يقول : معناه كان ثم نور ، أو حال دون رؤيته [ ص: 48 ] نور فأنى أراه . قال : ويدل عليه أن في بعض ألفاظ الصحيح ، وقد أعضل أمر هذا الحديث على كثير من الناس حتى صحفه بعضهم فقال : " هل رأيت ربك ؟ فقال : رأيت نورا " نوراني أراه ، على أنها ياء النسب ، والكلمة كلمة واحدة وهذا خطأ لفظا ومعنى ، وإنما أوجب لهم هذا الإشكال والخطأ أنهم لما اعتقدوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ربه وكان قوله : ، كالإنكار للرؤية حاروا في الحديث ورده بعضهم باضطراب لفظه وكل هذا عدول عن موجب الدليل . أنى أراه
وقد حكى ، في كتاب " الرد " له ، إجماع الصحابة على أنه لم ير ربه ليلة المعراج ، وبعضهم استثنى عثمان بن سعيد الدارمي من ذلك ، وشيخنا يقول : ليس ذلك بخلاف في الحقيقة . فإن ابن عباس لم يقل : رآه بعيني رأسه ، وعليه اعتمد ابن عباس أحمد في إحدى الروايتين حيث قال : " أنه رآه عز وجل ولم يقل بعيني رأسه ولفظ أحمد [ ص: 49 ] كلفظ رضي الله عنهما ويدل على صحة ما قاله شيخنا في " معنى " حديث ابن عباس أبي ذر رضي الله عنه قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر : حجابه النور . فهذا النور هو - والله أعلم - النور المذكور في حديث أبي ذر " رضي الله عنه " . رأيت نورا