الفصل الثاني عشر : انشقاق القمر ، وحبس الشمس
قال الله - تعالى - : اقتربت الساعة وانشق القمر وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر [ القمر : 1 - 2 ] .
أخبر - تعالى - بوقوع انشقاقه بلفظ الماضي ، وإعراض الكفرة عن آياته ، وأجمع المفسرون ، وأهل السنة على وقوعه .
[ أخبرنا الحسين بن محمد الحافظ من كتابه ، حدثنا القاضي ، حدثنا سراج بن عبد الله ، حدثنا الأصيلي المروزي ، حدثنا ، حدثنا الفربري ، حدثنا البخاري مسدد ، [ ص: 291 ] حدثنا يحيى ، عن شعبة ، وسفيان عن ، عن الأعمش إبراهيم ، عن أبي معمر ] ، عن - رضي الله عنه - ، قال : ابن مسعود . انشق القمر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرقتين : فرقة فوق الجبل ، وفرقة دونه ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اشهدوا
وفي رواية مجاهد : ونحن مع النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وفي بعض طرق : ونحن الأعمش بمنى .
ورواه أيضا عن ابن مسعود الأسود ، وقال : حتى رأيت الجبل بين فرجتي القمر .
ورواه عنه مسروق أنه كان بمكة ، وزاد : فقال كفار قريش : سحركم ! ابن أبي كبشة
فقال رجل منهم : إن محمدا إن كان سحر القمر فإنه لا يبلغ من سحره أن يسحر الأرض كلها ، فاسألوا من يأتيكم من بلد آخر : هل رأوا هذا ؟ فأتوا ، فسألوهم فأخبروهم أنهم رأوا مثل ذلك .
وحكى السمرقندي عن الضحاك نحوه ، وقال : فقال أبو جهل : هذا سحر ، [ ص: 292 ] فابعثوا إلى أهل الآفاق حتى تنظروا : أرأوا ذلك أم لا ؟ فأخبر أهل الآفاق أنهم رأوه منشقا ، فقالوا - يعني الكفار - : هذا سحر مستمر .
ورواه أيضا عن ابن مسعود علقمة ، فهؤلاء الأربعة عن عبد الله .
وقد رواه غير ، كما رواه ابن مسعود ، منهم ابن مسعود أنس ، ، وابن عباس ، وابن عمر وحذيفة ، وعلي ، فقال وجبير بن مطعم ، علي من رواية أبي حذيفة الأرحبي : - . انشق القمر ، ونحن مع النبي - صلى الله عليه وسلم
وعن أنس : . سأل أهل مكة النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يريهم آية ، فأراهم انشقاق القمر فرقتين حتى رأوا حراء بينهما
رواه عن أنس قتادة .
وفي رواية معمر ، وغيره ، عن قتادة ، عنه : أراهم القمر مرتين انشقاقه ، فنزلت : اقتربت الساعة وانشق القمر [ القمر : 1 ] .
ورواه عن ابنه جبير بن مطعم محمد ، وابن ابنه جبير بن محمد .
ورواه عن ابن عباس . عبيد الله بن عبد الله بن عتبة
ورواه عن ابن عمر [ ص: 293 ] مجاهد ، ورواه عن حذيفة ، أبو عبد الرحمن السلمي ومسلم بن أبي عمران الأزدي .
وأكثر طرق هذه الأحاديث صحيحة ، والآية مصرحة ، ولا يلتفت إلى اعتراض مخذول ، بأنه لو كان هذا لم يخف على أهل الأرض ، إذ هو شيء ظاهر لجميعهم ، إذ لم ينقل لنا عن أهل الأرض أنهم رصدوه تلك الليلة فلم يروه انشق ، ولو نقل إلينا عمن لا يجوز تمالؤهم لكثرتهم على الكذب ، لما كانت علينا به حجة ، إذ ليس القمر في حد واحد لجميع أهل الأرض ، فقد يطلع على قوم قبل أن يطلع على آخرين ، وقد يكون من قوم بضد ما هو من مقابلهم من أقطار الأرض ، أو يحول بين قوم وبينه سحاب أو جبال ، ولهذا نجد الكسوفات في بعض البلاد دون بعض ، وفي بعضها جزئية ، وفي بعضها كلية ، وفي بعضها لا يعرفها إلا المدعون لعلمها ، ذلك تقدير العزيز العليم [ يس : 38 ] .
وآية القمر كانت ليلا ، والعادة من الناس بالليل الهدو ، والسكون ، وإيجاف الأبواب ، وقطع التصرف ، ولا يكاد يعرف من أمور السماء شيئا ، إلا من رصد ذلك ، واهتبل به
ولذلك ما يكون الكسوف القمري كثيرا في البلاد ، وأكثرهم لا يعلم به حتى يخبر ، وكثيرا ما يحدث الثقات بعجائب يشاهدونها من أنوار ، ونجوم طوالع عظام تظهر في الأحيان بالليل في السماء ، ولا علم عند أحد منها .
وخرج في مشكل الحديث ، عن الطحاوي من طريقين أسماء بنت عميس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يوحى إليه ، ورأسه في حجر علي فلم يصل العصر حتى غربت الشمس ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أصليت يا علي ؟ قال : لا . فقال : اللهم إنه كان في طاعتك ، وطاعة رسولك فاردد عليه الشمس .
قالت أسماء : فرأيتها غربت ، ثم طلعت بعد ما غربت ، ووقفت على الجبال ، والأرض ، وذلك بالصهباء في خيبر .
قال : وهذان الحديثان ثابتان ، ورواتهما ثقات .
وحكى أن الطحاوي أحمد بن صالح كان يقول : لا ينبغي لمن سبيله العلم التخلف عن حفظ حديث أسماء ، لأنه من علامات النبوة .
[ ص: 294 ] وروى في زيادة المغازي في روايته عن يونس بن بكير : ابن إسحاق لما أسري برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأخبر قومه بالرفقة ، والعلامة التي في العير قالوا : متى تجيء ؟ قال : يوم الأربعاء ، فلما كان ذلك اليوم أشرفت قريش ينظرون ، وقد ولى النهار ، ولم تجئ ؟ فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فزيد له في النهار ساعة ، وحبست عليه الشمس .