وفيه ثلاثون فصلا فيما أظهره الله - تعالى - على يديه من المعجزات ، وشرفه به من الخصائص ، والكرامات
الفصل الأول :
قال القاضي أبو الفضل : حسب المتأمل أن يحقق أن كتابنا هذا لم نجمعه لمنكر نبوة نبينا - صلى الله عليه وسلم - ، ولا لطاعن في معجزاته ، فنحتاج إلى نصب البراهين عليها ، وتحصين حوزتها ، حتى لا يتوصل المطاعن إليها ، ونذكر شروط المعجز ، والتحدي ، وحده ، وفساد قول من أبطل نسخ الشرائع ، ورده ، بل ألفناه لأهل ملته ، الملبين لدعوته ، المصدقين لنبوته ، ليكون تأكيدا في محبتهم له ، ومنماة لأعمالهم ، و ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم [ الفتح : 4 ] .
ونيتنا أن نثبت في هذا الباب أمهات معجزاته ، ومشاهير آياته ، لتدل على عظيم قدره عند ربه . وأتينا منها بالمحقق ، والصحيح الإسناد ، وأكثره مما بلغ القطع ، أو كاد ، وأضفنا إليها بعض ما وقع في مشاهير كتب الأئمة .
وإذا تأمل المتأمل المنصف ما قدمناه من جميل أثره ، وحميد سيره ، وبراعة علمه ، ورجاحة عقله ، وحلمه ، وجملة كماله ، وجميع خصاله ، وشاهد حاله ، وصواب مقاله لم يمتر في صحة نبوته ، وصدق دعوته .
وقد كفى هذا غير واحد في إسلامه ، والإيمان به .
فروينا عن الترمذي ، ، وغيرهما بأسانيدهم أن وابن قانع قال : عبد الله بن سلام المدينة جئته لأنظر إليه ، فلما استبنت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب لما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
[ حدثنا به القاضي الشهيد أبو علي - رحمه الله - ، قال : حدثنا أبو الحسين الصيرفي ، ، عن وأبو الفضل بن خيرون أبي يعلى البغدادي ، عن ، عن أبي علي السنجي ابن محبوب ، عن الترمذي ، حدثنا ، حدثنا محمد بن بشار ، عبد الوهاب الثقفي ومحمد بن جعفر ، ، وابن أبي عدي ، عن ويحيى بن سعيد ، عن عوف بن أبي جميلة الأعرابي ، عن زرارة بن أوفى . . . الحديث ] . عبد الله بن سلام
وعن أبي رمثة التيمي : . أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ومعي ابن لي ، فأريته ، فلما رأيته قلت : هذا نبي الله
[ ص: 274 ] وروى مسلم ، وغيره أن ضمادا لما وفد عليه ، محمدا عبده ، ورسوله قال له : أعد علي كلماتك هؤلاء ، فلقد بلغت قاموس البحر هات يدك أبايعك . فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : إن الحمد لله نحمده ، ونستعينه ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأن
وقال : كان رجل منا يقال له جامع بن شداد طارق ، فأخبر أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة ، فقال : هل معكم شيء تبيعونه ؟ قلنا : هذا البعير . قال : بكم ؟ قلنا : بكذا ، وكذا ، وسقا من تمر ، فأخذ بخطامه ، وسار إلى المدينة فقلنا : بعنا من رجل لا ندري من هو ، ومعنا ظعينة ، فقالت : أنا ضامنة لثمن البعير ، رأيت وجه رجل مثل القمر ليلة البدر لا يخيس فيكم .
فأصبحنا ، فجاء رجل بتمر فقال : أنا رسول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليكم ، يأمركم أن تأكلوا من هذا التمر ، وتكتالوا حتى تستوفوا . ففعلنا .
وفي خبر الجلندي ملك عمان لما بلغه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعوه إلى الإسلام قال الجلندي : والله لقد دلني على هذا النبي الأمي أنه لا يأمر بخير إلا كان أول آخذ به ، ولا ينهى عن شيء إلا كان أول تارك له ، وأنه يغلب فلا يبطر ، ويغلب فلا يضجر ، ويفي بالعهد ، وينجز الموعود ، وأشهد أنه نبي .
وقال " " في قوله - تعالى - : نفطويه يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار [ النور : 35 ] : هذا مثل ضربه الله - تعالى - لنبيه - صلى الله عليه وسلم - ، يقول : يكاد منظره يدل على نبوته ، وإن لم يتل قرآنا كما قال : ابن رواحة
لو لم تكن فيه آيات مبينة لكان منظره ينبيك بالخبر
[ ص: 275 ] وقد آن أن نأخذ في ذكر النبوة ، والوحي ، والرسالة ، وبعده في معجزة القرآن ، وما فيه من برهان ، ودلالة .