الفصل الخامس عشر : ومن معجزاته تكثير الطعام ببركته ، ودعائه
[ حدثنا القاضي الشهيد أبو علي - رحمه الله - ، حدثنا العذري ، حدثنا الرازي ، حدثنا الجلودي ، حدثنا ابن سفيان حدثنا ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا سلمة بن شبيب الحسن بن أعين ، حدثنا معقل ، عن أبي الزبير ] ، عن جابر . أن رجلا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - يستطعمه ، فأطعمه شطر وسق شعير ، فما زال يأكل منه ، وامرأته ، وضيفه حتى كاله ، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فأخبره ، فقال : لو لم تكله لأكلتم منه ، ولقام بكم
ومن ذلك حديث أبي طلحة المشهور ، وإطعامه - صلى الله عليه وسلم - ثمانين أو سبعين رجلا من أقراص من شعير جاء بها أنس تحت يده ، أي إبطه ، فأمر بها ففتت ، وقال فيهما ما شاء الله أن يقول .
وحديث جابر في إطعامه - صلى الله عليه وسلم - يوم الخندق ألف رجل من صاع شعير ، وعناق .
وقال جابر : فأقسم بالله لأكلوا حتى تركوه ، وانحرفوا ، وإن برمتنا لتغط كما هي ، وإن عجيننا ليخبز .
وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بصق في العجين ، والبرمة ، وبارك .
رواه عن جابر ، سعيد بن ميناء وأيمن .
وعن ثابت مثله ، عن رجل من الأنصار ، وامرأته ، ولم يسمهما ، قال : وجيء بمثل الكف ، فجعل رسول [ ص: 299 ] الله - صلى الله عليه وسلم - يبسطها في الإناء ، ويقول ما شاء الله ، فأكل منه من في البيت ، والحجرة ، والدار ، وكان ذلك قد امتلأ ممن قدم معه - صلى الله عليه وسلم - لذلك ، وبقي بعد ما شبعوا مثل ما كان في الإناء .
وحديث أبي أيوب أنه صنع لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولأبي بكر من الطعام زهاء ما يكفيهما ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : ادع ثلاثين من أشراف الأنصار فدعاهم فأكلوا حتى تركوا ، ثم قال : ادع ستين فكان مثل ذلك ، ثم قال : ادع سبعين فأكلوا حتى تركوا ، وما خرج منهم أحد حتى أسلم ، وبايع .
قال أبو أيوب : فأكل من طعامي مائة وثمانون رجلا .
وعن : سمرة بن جندب . أتي النبي - صلى الله عليه وسلم - بقصعة فيها لحم ، فتعاقبوها من غدوة حتى الليل ، يقوم قوم ، ويقعد آخرون
ومن ذلك حديث : عبد الرحمن بن أبي بكر . كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثين ومائة ، وذكر في الحديث أنه عجن صاع من طعام ، وصنعت شاة ، فشوي سواد بطنها قال : وايم الله ، ما من الثلاثين ومائة إلا وقد حز له حزة من سواد بطنها ، ثم جعل منا قصعتين ، فأكلنا أجمعون ، وفضل في القصعتين ، فحملته على البعير
ومن ذلك حديث عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري ، عن أبيه ، ومثله ، لسلمة بن الأكوع ، وأبي هريرة - رضي الله عنه - ، فذكروا مخمصة أصابت [ ص: 300 ] الناس مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في بعض مغازيه ، فدعا ببقية الأزواد ، فجاء الرجل بالحثية من الطعام ، وفوق ذلك ، وأعلاهم الذي أتى بالصاع من التمر ، فجمعه على نطع . وعمر بن الخطاب
قال سلمة : فحزرته كربضة العنز ، ثم دعا الناس بأوعيتهم ، فما بقي في الجيش وعاء إلا ملئوه ، وبقي منه قدر ما جعل وأكثر ، ولو ورده أهل الأرض لكفاهم .
وعن : أبي هريرة أمرني النبي - صلى الله عليه وسلم - أن أدعو له أهل الصفة ، فتتبعتهم حتى جمعتهم ، فوضعت بين أيدينا صفحة ، فأكلنا ما شئنا ، وفرغنا ، وهي مثلها حين وضعت إلا أن فيها أثر الأصابع .
وعن - رضي الله عنه - : علي بن أبي طالب بني عبد المطلب ، وكانوا أربعين ، منهم قوم يأكلون الجذعة ، ويشربون الفرق ، فصنع لهم مدا من طعام ، فأكلوا حتى شبعوا ، وبقي كما هو ، ثم دعا بعس ، فشربوا حتى رووا ، وبقي كأنه لم يشرب منه . جمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
وقال أنس : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - حين ابتنى بزينب أمره أن يدعو له قوما سماهم ، وكل من لقيت ، حتى امتلأ البيت ، والحجرة ، وقدم إليهم تورا ، فيه قدر مد من تمر جعل حيسا ، فوضعه قدامه ، وغمس ثلاث أصابعه ، وجعل القوم يتغدون ، ويخرجون ، وبقي التور نحوا مما كان وكان القوم أحدا ، أو اثنين وسبعين .
وفي رواية أخرى في هذه القصة أو مثلها ، إن القوم كانوا زهاء ثلاثمائة ، وأنهم أكلوا حتى شبعوا . وقال لي : ارفع ، فلا أدري حين وضعت كانت أكثر أم حين رفعت .
وفي حديث ، عن أبيه ، عن جعفر بن محمد علي - رضي الله عنه - أن فاطمة طبخت قدرا لغدائهما ، ووجهت عليا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ليتغدى معهما ، فأمر فغرفت منها لجميع نسائه صفحة صفحة ، ثم له - صلى الله عليه وسلم - ، ولعلي ، ثم لها ، ثم رفعت القدر ، وإنها لتفيض ، قال : فأكلنا منها ما شاء الله .
وأمر أن يزود أربعمائة راكب من أحمس ، فقال : يا رسول الله ، ما هي إلا أصوع . قال : اذهب ، فذهب ، فزودهم منه ، وكان قدر الفصيل الرابض من التمر ، وبقي بحاله . عمر بن الخطاب
من رواية دكين الأحمسي ، ومن رواية جرير .
ومثله من رواية الخبر بعينه ، إلا أنه [ ص: 301 ] قال : أربعمائة راكب من مزينة . النعمان بن مقرن
ومن ذلك حديث جابر في دين أبيه بعد موته ، وقد كان بذل لغرماء أبيه أصل ماله ، فلم يقبلوه ، ولم يكن في ثمرها سنتين كفاف دينهم ، فجاءه النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد أن أمره بجدها ، وجعلها بيادر في أصولها ، فمشى فيها ، ودعا ، فأوفى منه جابر غرماء أبيه ، وفضل مثل ما كانوا يجدون كل سنة .
وفي رواية مثل ما أعطاهم ، قال : وكان الغرماء يهود ، فعجبوا من ذلك .
وقال - رضي الله عنه - : أبو هريرة وأبي بكر ، وعمر ، إلى أن قتل عثمان فانتهب مني ، فذهب . أصاب الناس مخمصة . فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : هل من شيء قلت : نعم ، شيء من التمر في المزود . قال : فأتني به فأدخل يده فأخرج قبضة ، فبسطها ، ودعا بالبركة ، ثم قال : ادع عشرة فأكلوا حتى شبعوا ، ثم عشرة كذلك ، حتى أطعم الجيش كلهم ، وشبعوا . قال : خذ ما جئت به ، وأدخل يدك ، واقبض منه ، ولا تكبه ، فقبضت على أكثر مما جئت به ، فأكلت منه ، وأطعمت حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،
وفي رواية : فقد حملت من ذلك التمر كذا ، وكذا من وسق في سبيل الله .
وذكرت مثل هذه الحكاية في غزوة تبوك ، وإن التمر كان بضع عشرة تمرة .
ومنه أيضا حديث حين أصابه الجوع ، فاستتبعه النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فوجد لبنا في قدح قد أهدي إليه ، وأمره أن يدعو أهل الصفة . أبي هريرة
قال : فقلت : ما هذا اللبن فيهم ؟ كنت أحق أن أصيب منه شربة أتقوى بها . فدعوتهم .
وذكر أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يسقيهم ، فجعلت أعطي الرجل فيشرب حتى يروى ، ثم يأخذه الآخر حتى روي جميعهم .
قال : فأخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - القدح ، وقال : . بقيت أنا ، وأنت ، اقعد [ ص: 302 ] فاشرب فشربت ، ثم قال : اشرب ، وما زال يقولها ، وأشرب حتى قلت : لا والذي بعثك بالحق ، ما أجد له مسلكا ، فأخذ القدح فحمد الله ، وسمى ، وشرب الفضلة
وفي حديث خالد بن عبد العزى أنه أجزر النبي - صلى الله عليه وسلم - شاة ، وكان عيال خالد كثيرا يذبح الشاة فلا تبد عياله عظما ، وإن النبي - صلى الله عليه وسلم - أكل من هذه الشاة ، وجعل فضلتها في دلو خالد ، ودعا له بالبركة ، فنثر ذلك لعياله ، فأكلوا ، وأفضلوا . ذكر خبره . الدولابي
وفي حديث في إنكاح النبي - صلى الله عليه وسلم - الآجري لعلي فاطمة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بلالا بقصعة من أربعة أمداد ، أو خمسة ، ويذبح جزورا لوليمتها قال : فأتيته بذلك فطعن في رأسها ، ثم أدخل الناس رفقة رفقة يأكلون منها حتى فرغوا ، وبقيت منها فضلة ، فبرك فيها ، وأمر بحملها إلى أزواجه ، وقال : كلن ، وأطعمن من غشيكن .
وفي حديث أنس : أم سليم حيسا ، فجعلته في تور ، فذهبت به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : ضعه ، وادع لي فلانا ، وفلانا ، ومن لقيت فدعوتهم ، ولم أدع أحدا لقيته إلا دعوته ، وذكر أنهم كانوا زهاء ثلاثمائة حتى ملئوا الصفة ، والحجرة ، فقال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - : تحلقوا عشرة عشرة ، ووضع النبي - صلى الله عليه وسلم - يده على الطعام ، فدعا فيه ، وقال ما شاء الله أن يقول ، فأكلوا حتى شبعوا [ ص: 303 ] كلهم ، فقال لي : ارفع فما أدري حين وضعت كانت أكثر أم حين رفعت . تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فصنعت أمي
وأكثر أحاديث هذه الفصول الثلاثة في الصحيح . وقد اجتمع على معنى حديث هذا الفصل بضعة عشر من الصحابة ، رواه عنهم أضعافهم من التابعين ، ثم من لا ينعد بعدهم .
وأكثرها في قصص مشهورة ، ومجامع مشهودة ، ولا يمكن التحدث عنها إلا بالحق ، ولا يسكت الحاضر لها على ما أنكر منها .